تحليل سياسي:المجرة برس
يتوقف الإنسان كثيرا عند مسميات الأشياء، فالأسماء في الغالب تقوم بوصم حاملها وقد تؤثر في مسيرته، والناظر الى اسماء الاحزاب والكيانات السياسية يجد اسماء ربما تم اعتمادها فقط لنفاذ الخيارات ،وقد يتوقف الكثيرون امام معنى اسم (حركة العدل والمساواة) السودانية وبالنظر إلى المعنى اللغوي نجد أن المساواة هي التسوية بين الأشياء المتماثلة والأشياء المختلفة، أما العدل: هو المساواة بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، وبلا شك فإنّ العدل هو الأكمل والأفضل؛ لأن التسوية بين الأشياء المختلفة ظلمٌ وجور…..انتهى الشرح العلمي.
ولكن إذا أردت التعرف على حركة العدل والمساواة ككيان سياسي فيجب اولا التعرف على مؤسسها الشهيد الدكتور خليل إبراهيم، فالرجل ظل منذ تخرجه من الجامعة بذات السمت الخشن والنظرات الحادة و(الاتجاه الواحد) وهي صفات القائد الاستراتيجي الذي لا يلهيه لاه عن هدفه،لذا فلما عينه رفاق الامس وزيرا ركل المنصب سريعا إلى سوح الجهاد بجنوب السودان حيث تبلورت عنده ربما فكرة العدل والمساواة وهو يرى نفسه ورفاقه يقاتلون قوما أرادوا أن يعيشوا في سلام .
والناظر الى سيرة الشهيد خليل إبراهيم بعد ذلك يجد هذا العزم وهذه الجدية في السير نحو الهدف هو الذي استشهد دونه،فالرجل لم تنكسر شوكته وهو يفقد ثمانين بالمئة تقريبا من قواته في عملية الذراع الطويل وقد نجا بنفسه بأعجوبة في ذات العملية ،ثم نجا بعد ذلك من عملية اغتيال بالسم ،وفي تلك الأيام أصبح الجميع ضد الرجل فقد ابتدعت الإنقاذ وقتها طريقة لاستقطاب الخصوم فأصبح الرجل وحيدا الا انه لم ينكسر ،وبعد محاولة الاغتيال الفاشلة بالسم في ليبيا قرر الرجل إن (يفرش فروته) فداء لقضيته كأنما أحس أن استشهاده سيشعل آلاف القناديل على طريق حركة العدل والمساواة وقد كان ،فالدكتور خليل ابراهيم كان مفكرا ومصلحا اجتماعيا قبل أن يكون سياسيا ويظهر هذا في سلوكه وتعامله وبالتالي غرسه لهذه المعاني في تفكير منسوبي الحركة ،وهنالك شواهد كثيرة تدل على ذلك وليس أقلها مما يحكيه عنه رفاق الامس الذين لم يستطيعوا القدح في سيرته غداة استشهاده ولم يستطع أحد أن يلوث سيرته أو يدني اي منغص على نصاعتها ،وما يدل على نزاهة الرجل وحسن معشره هذا الاسى الذي غشي كل الوان الطيف السوداني بمن فيهم اعداءه فلبس السودان غشاءا من الحزن ذلك اليوم حتى ان فضائية سودانية اضطرت إن تستضيف محللا سياسيا للمرة الثانية على التوالي اولا لأنه ترحم على روح الشهيد على الهواء مباشرة وثانيا لأن المحلل السياسي كان ملما بسيرة الرجل الماما أوضح الكثير من الصور حول الحركة ومؤسسها،إلا أن هذه الحلقات جرت على المحلل السياسي الكثير من المشاكل إذ تم إيقافه من التحليل السياسي على كافة الفضائيات وتمت محاربته حتى باع صحيفته بابخس الاثمان.
وبعد استشهاد الرجل مباشرة تداعى الآلاف من أبناء السودان وليس دارفور فحسب ،تداعوا واختاروا قيادتهم وانتشروا يبشرون بسلام قادم وعدالة لابد أن يتم تطبيقها على أرض المليون ميل أو تنقص قليلا.
والدكتور خليل إبراهيم لم يذهب بفكرته وإن ذهب بسره (وهذا موضوع تحليل آخر إن شاء الله )فالحركة ما زالت تحفظ لوحها كاملا وتدعو إلى بسط العدل على أنحاء البلاد بحيث يكون العدل هو الأساس إذ يقول احد مؤسسيها :معظم الأحزاب والكيانات السياسية تسعى إلى طريقة حكم تحمي بها نفسها ومكتسباتها لذا نحن نختلف معهم جميعا لاننا لا نرغب في أن ننال أكثر مما يناله المواطن البسيط من ثروات هذا البلد فطريقتنا في الحكم هي ان نستخرج ثروات السودان ونبعث الروح الوطنية في جميع أبنائه ثم نبني دولة مستقلة ومكتفية ذاتيا خلال عشرة أعوام ثم دولة عظمى خلال خمسة عشرة عاما.
بهذا التفكير وبهذا المنطق تسير حركة العدل والمساواة وتطبق برنامجها الذي استشهد دونه المئات أو قل الآلاف وبهذه العجالة سنبتدر سلسلة من التحليلات السياسية لوضع النقاط فوق الحروف للتعرف على حركة الكفاح المسلح الوحيدة التي وضعت نصب عينها هدفا واحدا …..العدل لنا ولسوانا او كما يمكن ان يفهمه الانسان من النظام الاساسي للحركة ان العدل كما هو مطلب للجميع فهو ايضا مسؤولية جماعية ويا له من هدف نبيل.
وأكثر ما يلفت الانتباه في النظام الاساسي للحركة أنه حدد المهام والمسؤوليات لكل منسوبي الحركة بصورة دقيقة تنم عن عمق الفكرة وتجذرها بالإضافة إلى التأني في التطبيق بما لا يخل بالدستور الأساسي أو يتعذر معه التطبيق ، كما أن للمجايلة مساحة واسعة ومساحة ممتازة للعمل ،والملاحظ أيضا أن هنالك فهم عميق للعدل بما يجعل قبول الآخر مسألة مبدأ وليس عطاءا مقيدا بظروف محددة ،خاصة وأن الحركة لم تقيد نفسها بإثنية عرق أو لون أو إقليم.
القيادة الحالية الحركة وأعني الدكتور جبريل ابراهيم رجل أول ما يلفت الانتباه إليه هو الثبات على المبدأ والتأني في التعاطي مع ايا كان لذا كان توقيعه على الاتفاق بجوبا بمثابة مهرجان أصاب الكثيرين بالذعر كونه نال إجماعا لم يسبق له مثيل فجعل الناكصين عن التوقيع يسارعون إلى اللحاق بما قام به دون جدوى ،وتظهر حنكة الدكتور جبريل في ادارة شؤون الحركة ان كل الذين انسلخوا منها خبا ذكرهم لانهم لم يستطيعوا افتراع فكر مواز يقبلهم به المجتمع أو الساحة السياسية خاصة وأن الرجل وضع نمطا اداريا محكما لا يؤثر معه المغادر على البناء المؤسسي فيتم جسر موقعه بسرعة وحزم ،ولشخصية الدكتور جبريل هذا السمت الجاد في التعاطي مع البنود المتفق عليها فلا يوجد بند وضيع وآخر رفيع.
هي قراءة أولى في دفاتر إحدى اقوى حركات الكفاح المسلح السودانية ،وهو إطار فقط لتلمس جوانب طريقة تعاطيها مع شأن البلاد كونها إحدى الشركاء الأساسيين في حكمها مستقبلا في الفترة الانتقالية أو عبر صناديق الاقتراع.