
(1)
في القرن الثامن عشر الميلادي وفي عهد السلطان العثماني أحمد خان، يحدثنا التأريخ بأن الدولة العثمانية مرت بظروف اقتصادية حرجة كادت تنهار معها الدولة كلها.. حالة من الفوضى والمضاربات والاحتكار أمور ظل يمارسها التجار والطفيليون، فكانت هي السبب المباشر في تحكم التجار في اقتصاد البلاد، وعرفت الدولة السبب وبطل العجب، وعلى الفور جاء الحلُ حاسماً عاجلاً غير آجل، فجيء بالمضاربين من التجار والمحتكرين للسلع، وجيء بمثيري فوضى الأسعار وأرباب النشاط الطفيلي، وأُعدموا في الميادين العامة، وسرعان ما تغيرت الظروف إلى الأحسن وانتهت الفوضى بزوال المسبب.
(2)
الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، هي أمراض طبيعية تمر بها الدول والحكومات، والسودان ليس استثناءً من هذه الأزمات، لكن في كل الدول وعبر تأريخها الطويل توجد حلول لتلك الأزمات في وقتها وبطريقة جادة وحاسمة على طريقة وضع الملح على الجرح تماماً، وهذا أمر يتطلب فقط إرادة سياسية.. إذن من الطبيعي جداً أن تمر بلادنا بالأزمات المشار إليها، ولكن من غير الطبيعي ومن غير المقبول أن تظل هذه الأزمات والمشكلات لفترات طويلة بلا حلول، ومن المدهش أن تتكرر الأخطاء القاتلة نفسها، وتظل تلك الأخطاء بدون علاج، ولعلي أشير هنا فقط إلى إرجاع (40) باخرة سودانية من السعودية لضعف المناعة، وإبادة آلاف الأطنان من اللحوم السودانية بمطارات الدول الخليجية بسبب ضعف التبريد في المواعين الجوية، هذا أنموذج فقط والأمثلة كثيرة.
فشل نظام الإنقاذ في إيجاد حل للأزمة الاقتصادية، وفشلت كل خططه لكبح جماح الدولار والأسعار والغلاء والضائقة المعيشية، وفشلت برامجه الاقتصادية الإسعافية الثلاثية والخمسية، والخطط العشرية والربع قرنية، لسبب واحد وهو غياب الإرادة السياسية.
(3)
الآن الحال ساءت أكثر مما كان في عهد النظام المخلوع لذات السبب وهو غياب الإرادة السياسية، والتي غابت تماماً حتى توارت بالحجاب وغابت معها هيبة الدولة…غياب الإرادة السياسية في عهد نظام الإنقاذ غطى على الفشل والفساد والشلليات ومعايير التوزير والتوظيف في مناصب الدولة، فجاءت الترضيات والموازنات والمحاصصات على حساب الكفاءة والخبرة بمثابة تغطية النار بالعويش.. والشيء نفسه تمارسه الآن حكومة الثورة التي تبدو جاثية على ركبتيها بلا إرادة سياسية ولا هيبة ولا كفاءات ولا خبرات.
(4)
بلدان كثيرة في العالم وعلى مر التأريخ تمر بالأزمات فتخرج منها بفعل التخطيط والعزيمة والإرادة السياسية والحسم، فما الذي يجعلنا في هذه الأوضاع التي يحارُ لها المفكر المبدع.. للخروج من عنق الزجاجة نحتاج الآن للتخطيط بالكفاءات لا بالمحاصصات، وبالخبرات لا بالترضيات.. ونحتاج للإرادة السياسية التي تسد كل منافذ التساهل والتراخي والتهاون في إدارة الدولة ومستقبل الأمة… ونحتاج إلى حسم الفوضى والتلاعب بأقوات الشعب، والمضاربات والاحتكار والتهريب والتجنيب، وذلك بإعمال القوانين وتطبيقها على أكبر رأس في البلاد.. اللهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الانتباهة