
ارتبط السودان أكثر بالمملكة المتحدة لأنه كان مستعمراً استعماراً بريطانياً وجل المبعوثين السودانيين للدراسات العليا وغيرها قبل عقود خلت كانوا يبعثون اليها أما المبعوثين للولايات المتحدة الأمريكية فقد كان عددهم أقل. وكانت دول المنظومة الشيوعية والكتلة الشرقية تقدم منحاً دراسية للمنتمين للحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية من حملة الشهادة السودانية أو ما يعادلها ولم تكن للسودان مع امريكا علاقات إقتصادية وتجارية وعسكرية تذكر. وزار نكسون نائب الرئيس الامريكي السودان في عام 1958م، وقُدم عرض للمعونة الأمريكية للسودان في عهد حكومة عبد الله بك خليل وحدث خلاف بين الحزبين الحاكمين المؤتلفين وهما حزب الأمة الذي وافق عليها وحزب الشعب الديمقراطي الذي أعلن معارضته لها، ومن أوائل القرارات التي اتخذها نظام الحكم العسكري النوفمبري برئاسة الفريق ابراهيم عبود موافقته على المعونة الأمريكية وبموجب ما تضمنته من منح بدون مقابل أقيم طريق الخرطوم-مدني وطريق المعونة بالخرطوم-بحري ….الخ وفي ظروف الحرب الباردة بين القطبين العالميين المتنافسين استفاد نظام نوفمبر برئاسة الفريق ابراهيم عبود من تلك المنافسة بينهما ووظف الرئيس عبود ووزير خارجيته الاستاذ أحمد خير المحامي الديبلوماسية لصالح التنمية وحصلوا من دول الكتلة الشرقية والدول الغربية على معونات ومنح وقروض ميسرة وعندما زار الرئيس ابراهيم عبود امريكا ارسل اليه الرئيس جون كنيدي طائرة أقلته من مطار الخرطوم إلى واشطن واستقبله الرئيس كنيدى وزوجته جاكلين هو والوفد المرافق له بالمطار واحتفي به والمؤكد أنه كان يزمع تقديم معونات ومنح ومساعدات للسودان في مختلف المجالات ولكن المنية عاجلته واغتيل في تكساس وأهمل الرئيس جونسون نائبه الذي حل محله موضوع السودان وانشغل بملفات أخري داخلية وخارجية منها ملف حرب فينتام. وفي الديمقراطية الثانية كان بين العرب واسرائيل ما صنع الحداد بعد نكسة أو بالأحري هزيمة يونيو في عام 1967م ولذلك لم تتقدم العلاقات الامريكية السودانية خطوات للامام وكانت امريكا تتعامل مع السودان وقضاياه باعتبارها جزء من الملفات المصرية بل بلغ الاستخفاف أن بعضهم في الماضي كان يصف السودان بأنه (سودان مصر) وفي بدايات عهد مايو اتجه النظام يساراً نحو الدول الشيوعية الشرقية والدول الاخري التي تدور في فلكهم وبعد فشل انقلاب هاشم العطا والطلاق البائن بينونة كبري الذي حدث بين نظام مايو بقيادة الرئيس جعفر نمري وبين الحزب الشيوعي الذي صنع فيه الرئيس نميري ما صنعه النجار في الخشب وكانت القيادة الاممية للكتلة الشيوعية تضع عليه آمالاً عراضا. واتجه نظام مايو نحو الدول الغربية وفتح قناة تواصل مع امريكا واقام تحالفاً مع السادات الذي كان رجل امريكا والغرب في المنطقة وفي إطار دوران النظام المايوي في الفلك الأمريكي امتدت جسور وصله مع البنك الدولي ونفذ الفاتورة التي املاها عليه صندوق النقد الدولي والتي اوردته موارد الهلاك وفي عام 1978م فتحت الصرافات وأصبح للدولار سعرين هما السعر الرسمي والسعر الموازي وبدأ الجنيه السوداني يترنح بعد أن كان الجنيه الواحد يساوى ثلاثة دولار وثلث وبدأ بالتدريج تدور الدائرة على الافندية والعاملين في الدولة وبعد الاستكشافات التي قامت بها شركة شيفرون بشرت بقرب البدء في استخراجه ولكن الحكومة الامريكية ضغطت على الشركة وامرتها بقفل الآبار وتأجيل عمليات الاستخراج لأجل غير مسمي لان نميري رفض رجاءاتها أو بالاحري أوامرها بضرورة إلغاء تطبيق للقوانين المستدة من الشريعة الاسلامية كما أعلن ذلك في سبتمبر عام 1983م . وعلينا التفريق بين ما هو سياسي وما هو انساني وبعد الجفاف والتصحر الذي حدث في اجزاء من القطر في عام 1984م حدثت حالات نزوع جماعي كثيرة وقدم الرئيس ريغان منحاً ومساعدات هائلة للسودان مادية وعينية شملت كميات هائلة من الدقيق والقمح والعدس والأرز والزيت …الخ ولأنها كانت كميات هائلة وزع الفائض منها عبر اللجان الشعبية في مناطق كثيرة لم تتأثر بالجفاف والتصحر ونقص الغذاء أو انعدامه وعلى الصعيد السياسي قام جورج بوش نائب الرئيس ريغان، بزيارة للسودان في أخريات عهد مايو وكان يريد الاتفاق مع بعض الاطراف لوضع سيناريو وايجاد بديل للرئيس نميري وتكوين نظام جديد هجين يحل محل النظام المايوى ولم يتم شي من هذا القبيل وسقط النظام المايوى بعوامل داخلية سودانية وليس باملاءات خارجية وتدخلات اجنبية رغم أن بعض الاحزاب والقوى السياسية التي تصدرت المشهد لم تظهر إلا في الساعة الخامسة والعشرين عندما كان النظام المايوى في لحظات احتضاره الأخيرة، وبعد إجراء الانتخابات العامة بعد انتهاء الفترة الانتقالية أحجمت أمريكيا عن تقديم أي مساعدات للسودان لأن الحكومة المنتخبة لم تنفذ ما تعهدت به أثناء الحملة الانتخابية بإلغاء ما اطلقت عليه اسم قوانين سبتمبر التي لا تساوى ثمن الحبر الذي كتبت به وكانوا يأملون أن تقوم بهذه المهمة الحكومة الانتقالية بدلاً منهم لنزيل عنهم الحرج أمام قواعدهم وناخبيهم ولكن دكتور الجزولي دفع الله رئيس وزراء الحكومة الانتقالية ومولانا عمر عبد العاطي وزير العدل والنائب العام اعلنا أن هذا ليس من اختصاص الحكومة الانتقالية وهو من اختصاص الحكومة المنتخبه والجمعية التأسيسية الممثلة لارادة الشعب ولأحجمت امريكا عن دعم تلك الحكومة لاسباب أخري وفي نهاية المطاف لم تجد تلك الحكومة سنداً من امريكا ، وأطل عهد الانقاذ الذي استمر ثلاثين عاماً وفي بداياته كان النظام الحاكم يتوعد امريكا بالثبور وعظائم الأمور والهتافات الداوية (امريكا روسيا قد دنا عذابها) وكان بامكان امريكا ان تسقطه وهو غض بكل سهولة ويسر ولكنها تعاملت معه بطريقة (سهر الجداد ولا نومو) ولم تسقطه لحسابات وتقديرات كثيرة وفي ذات الوقت كانت توجه له اللطمات واللكمات غير المميتة وتلك قصة تحتاج لوقفة متفصلة عن العلاقات المريبة بين امريكا ونظام الانقاذ. وبعد ذهابه فان ما دار بين امريكا والحكومة الحالية هو كتاب مفتوح للجميع فقد تساقط تحت ارجلها ولهث خلفها وخلف الدول الغربية الاخري ولم يجد منها إلا الجفاء والصدود والامتناع عن تقديم أي مساعدات تذكر، والاخطر من ذلك أن هذه الحكومة وبمخض اختيارها اقرت بموضوع ظل معلقاً في العهد السابق، وتعهدت هذه الحكومة بدفع تعويضات باموال ضخمة لاسر الضحايا مع تعويضات اخري في عمليات ارهاب، رغم أن كثيراً من المؤشرات كانت تؤكد ان ساحات العدالة كانت ستبري ساحة السودان أو على الاقل تجعل هذا الموضوع معلقاً لأن حكومة السودان في الوقت الراهن تعاني اشد المعاناه في الحصول على العملة الحرة والدولارات لشراء الضروريات فمن اين لها بتوفير ما التزمت به من تعويضات بالعملة الحرة وهي معدمة فهل تلجأ للاغتراض أم لطباعة عملة محلية بكميات كبيرة لشراء الدولارات من السوق الاسود ويؤدي هذا لزيادة التضخم … لم تقدم امريكا وغيرها من الدول الغربية شئياً يذكر للسودان ومع ذلك تتباجج تلك الابواق وتدعي أن تلك القوة الاستعمارية تسعي لفرض دمية أو دمي لحكم السودان في المرحلة القادمة وهذا لن يحدث بأذن الله وهذه مرحلة بحاجة لتحالف عسكري مدني تكون من مهام الجانب العسكري الدفاع عن حياض الوطن والحفاظ عن الامن القومي والتعامل بحزم وحسم وقوة لايقاف الفوضي في الأسواق وغيرها وردع العابثين وان يوحد العمل التنفيذي للمدنيين ويكون رئيس الوزراء مدنياً مع تشكيل حكومة من رجال دولة خبراء اقوياء عمالقة بمستوي المرحلة الخطيرة التي لا تحتمل ضعفاً وهواناً.
الانتباهة