الثروات و الموارد الطبيعية ، والصراع حول حيازتها ، والسيطرة عليها ، او الانتفاع بها ، يمثل احد اهم العناصر الفاعلة ، في رسم العلاقات الخارجية والمصالح الامنية العليا للدول ولايخفي ما تمثله المياه كمورد استراتيجي فاعل ، في تحريك وصياغة الاجندة العالمية ، للمصالح الدولية واستراتيجياتها الخفية والمعلنة . من هذه الزاوية يأتي الاهتمام الامريكي بالمباحثات الثلاثية بين اطراف سد النهضة ( الالفية ) الاثيوبي ، الذي لايبعد موقعه من الحدود السودانية باكثر من 20 كم علي النيل الازرق ، الذي يمد حوض نهر النيل بالكمية الاكبر من المياه المتدفقة علي طول مجرى النيل ، حتى مصبه عبر دلتا مصر في البحر الابيض المتوسط . تنبع اهمية السد في تنظيمه لهذه الكميات الضخمة من المياه بما لها اثر بالغ علي حيوات دول حوض النيل مجتمعة . يظل توصيف سد النهضة ( الالفية ) في بعده الاستراتيجي ، بانه اداة واحدة للتأثير علي ثلاث دول بشعوبها المتنوعة وربما يؤثر علي مجمل دول الحوض بما يجعل منه آلية مثالية للتحكم علي هذه الدول في اهم الموارد الاستراتيجية ، لكل ذلك ليس من الغريب او المدهش ان تتحول امريكا من مراقب الي وسيط في المفاوضات بين الاطراف المعنية بالسد لاحكام سيطرتها علي هذه الاداة الفعالة ، واستخدام اضعف حلقاتها من اجل مصالحها واجندتها الخاصة كما العادة دائما حيث لاتعمل امريكا الا لمصالحها العليا ولا نحتاج الي كبير عناء في بيان ان اضعف هذه الحلقات هو السودان الذي يسعى جهده الي لنيل رضا امريكا وهو في اتم الاستعداد لتقديم اي تنازل امامها مهما كان لازالة اسمه من قائمتها الخاصة بالدول الراعية للارهاب بل ويعتبر ذلك فوزا كبيرا له ومكسبا سياسيا في ظل مايعيشه من اوضاع اقتصادية بالغة التعقيد تجعله لا يستعصم امام اي مغريات امريكية تلوح له برفع اسمه من القائمة السوداء . ولن تجد امريكا فرصة افضل من هذه للابتزاز السياسي في استخدام البلاد لمصلحتها في المنطقة علي الرغم من عدم معرفتنا لحجم التنازلات التي قدمناها او الشروط التي امليت علينا في المقابلات العديدة لوزير الخزانة الامريكي او حتى لترامب نفسه خلال الزيارات المتكررة لاطراف التفاوض الي امريكا وانعقاد مفاوضاتهم بها . وما رافق العملية التفاوضية من غموض وعدم شفافية منذ انتقال الملف الي امريكا ووضع يدها والسيطرة عليه باشراف مباشر من اعلى مستويات القرار بالادارة الا اننا لانشك مطلقا في ان الاهتمام الامريكي باطراف مفاوضات السد ليس سوى اهتمام بمصلحتها واجندتها السياسية والعمل علي استخدامه كاداة داعمة لسيطرتها علي موارد الاقليم والمنطقة .