كتب المحامي عماد الدين بشير آدم فضل، المقيم بالممكلكة العربية السعودية مرافعة محكمة، مفندا قرار دائرة الطعون بالمحكمة العليا ضد قرارات لجنة ازالة التمكين، والذي الغت فيه قرار فصل قضاة ووكلاء نيابة، مدعية عدم اختصاص اللجنة، تعرض الاستاذ لكل الجوانب القانونية في القرار وفصّل اوجه القصور فيه مع التركيز علي عدم اختصاص الدائرة وتضارب المصالح الذي لا لبس فيه، ادناه نص ما كتبه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه واتباعه إلى يوم الدين
أما بعد
فقد اطلعت على القرار الصادر من الدائرة المختصة بنظر الطعون ضد قرارات لجنة الإستئنافات بالرقم ط/10/2021
وأبدى عليه الملاحظات الآتية:
• في صدر القرار ورد أنه صادر من المحكمة العليا – الدائرة المختصة بنظر الطعون ضد قرارات لجنة الأستئنافات. وفي ذلك إبهام إذ لم يتضح أن الدائرة مختصة بنظر الطعون ضد قرارات أي لجنة استئنافات.
• في صدر القرار ورد أن المطعون ضده ( لجنة إزالة التمكين وآخر) ولم يتضح بعد من هو هذا الآخر.
• لم يوضح القرار تاريخ صدوره بينما ورد في الصفحة الأولى بخط اليد بالقلم الحبر باللون الأزرق أنه يوم 5/10/2021.
• كما ورد أن الدائرة شكلت بتاريخ 26 /5/2021 أي بعد يوم من وضع الإفادة بعدم وصول رد من لجنة إزالة التمكين بتاريخ 25/5/2021، هذا الإجراء ربما يفهم منه أن الدائرة تسابق الزمن لنظر هذه الدعوى إذ أن بعض أعضائها ربما كان لهم رأي مسبق حول قانون التفكيك والإجراءات التي اتخذت بموجبه. والعدالة كانت تقتضي أن ينتحى أولئك الأعضاء عن نظر القضية.
• كل التوقيعات التي وردت في القرار هي من شخص واحد ، وهذا سلوك لا يليق بدائرة قضائية فالصواب أن يوضع القرار أمام كل أعضاء الدائرة للتوقيع عليه وليس ترك ذلك لشخص واحد ليضع توقيعه نيابة عن كل أعضاء الدائرة.
• بعض أعضاء الدائرة ممن شملهم قرار إنهاء خدمتهم بموجب قرار صادر من لجنة إزالة التمكين مما يجعلهم في وضع تعارض المصالح فقرارهم مما لهم مصلحة فيه.
• توقيت إصدار القرارقد يفهم منه أنه يتماهى مع الدعوات السياسية من بعض القوى في الرسمية والقوى السياسية التي تدعي أنها ممثلة للحرية والتغيير ومكونات شرق السودان التي تنادي بحل لجنة إزالة التمكين بتهم من بنات أفكار أولئك القوم وليست مستندة لأحكام القانون الذي أنشئت بموجبه اللجنة المذكورة.
قرار الدائرة الموقرة أثار كون قانون إزالة التمكين يتعارض مع قانون مفوضية الأجهزة العدلية، علما بأن قانون المفوضية صدر في العام 2020 ونص في المادة 7(1) منه على القيام بكل ما يلزم لتفكيك بنية التمكين في المنظومة العدلية والحقوقية وفق دولة القانون. وحددت المادة 10(4) منه طريقة الطعن والاستئناف ضد قرارات المفوضية تماما كما ورد في قانون إزالة التمكين وبالتالي فإن اللجنة المذكورة في قانون إزالة التمكين تعتبر مختصة بالنظر في الاستئنافات التي يتقدم بها كل متضرر من أي قرار . وبحسب أن قانون إزالة التمكين صدر لاحقا لقانون المفوضية وهو قانون خاص فتسود أحكامه على ما عداه من قوانين وقد ورد في المادة 1 منه أن أحكامه تسود على ما عداها من قوانين. وهذه السيادة أيضا تكون بحق قانون القضاء الإداري بحيث أن أحكام قانون التفكيك تسود أحكامه أيضا على قانون القضاء الإداري مما يجعل لجوء الدائرة لقانون القضاء الإداري قد جانبه الصواب في ذلك. كما أن قانون القضاء الإداري لم ينص في أي من أحكامه على سيادة أحكامه على القوانين الأخرى وبالتالي تطبق أحكامه في الوقائع التي تندرج تحت طائلته وليس أي وقائع أخرى.
والدارس لقانون القضاء الإداري يتوصل للآتي:
1- الدائرة : يقصد بها دائرة المحكمة العليا المختصة بنظر الطعون والاستئناف ضد أحكام القاضي المختص بنظر الطعون الإدارية. وبحكم أنه لم يصدر حكم من القاضي المختص بتلك الطعون فإن هذه الداءرة لا ينعقد لها الإختصاص.
2- الفصل الرابع من القانون المذكور حدد نوعي الاستئنافات التي تقدم للدائرة المذكورة : (أ) استئنافات تقدم لقاضي المحكمة العليا المختص ضد قرارات رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء أو أي وزير. (ب) استئنافات تقدم لقاضي الاستئناف فيما يتعلق بقرارات أي سلطة أخرى. وقرارات لجنة إزالة التمكين وبعدها لجنة الأستئنافات لا تندرج تحت أي من التعريفين مما يجل تدخل الدائرة بنظر هذا الطعن مخالفا لقانون القضاء الإداري ، بحكم أن قانون إزالة التمكين قد رسم طريقة محددا للاستئنافات لا يجوز لأي جهة قضائية تجاوزه تحت أي ذرائع. ولا ينال من ذلك ما ذكر في الحكم الذي أصدرته الدائرة بأن أمر تشكيل اللجنة جاء خاليا من إجراءاتها الشكلية، ولا يعتبر ذلك مبررا للدائرة لسلك طريق آخر تلوي به عنق الحقيقة لتجعل منها جهة مختصة بنظر استئنافات كان ينبغي أن تقدم وفق تسلسل قانوني حدده قانون إزالة التمكين. كما أن ذلك لا يعتبر مبررا للجوء الدائرة للقانون العام إذ ليس ثمة مقتضى لذلك.
وتداعيات الأحداث في هذه الدعوى توضح ما يلي:
(أ) أورد قرار الدائرة أن قرار لجنة إزالة التمكين صدر في ضوء عدم تبني المشرع السوداني دعوى الإلزام بالواجب القانوني. وهذا الاستنتاج غريب فالقانون الإداري ليس من ضمن أداوره إلزام الجهة الإدارية باتخاذ موقف محدد فهو قضاء لإلغاء القرارات الإدارية التي تخالف القانون. ومضى قرار الدائرة في توجهه التكهمي بالقول : ( ويكون واهما من يدفع بعدم اختصاص هذه الدائرة ) وهذا تحدي لايليق بجهة قضائية تعلم أن قرارها ربما يخضع للمراجعة من قبل المحكمة القومة العليا.
(ب) ذكرت الدائرة في قرارها بأن قانون التفكيك لا يطبق على القضاة ، وذلك لسيادة القانون الخاص على القانون العام. ولم تكلف الدائرة نفسها عناء الرجوع للمادة الأولى من قانون التفكيك التي تنص على سيادة أحكامه على أي قانون آخر عند التعارض. وبالتالي فهو يطبق على القاة شأنهم في ذلك شأن كل العاملين بأجهزة الدولة. وقانون التفكيك بالتالي تسود أحكلمه على قانون مفوضية إصلاح الأجهزة العدلية.
(ج) ذكرت الدائرة في قرارها أن قرارات اللجنة غير مسببة مستندة في ذلك على الممارسة السديدة، ولم توضح حدود هذه الممارسة السديدة. وقد ذكرت لجنة التفكيك في غير مرة أن ملفاتها تستند على أسس معينة في اتخاذ قراراتها لكن الدائرة الموقرة لم تطلب من اللجنة موافاتها بالأسسس التي بنيت عليها قرارات تلك اللجنة. وفي هذا عجلة غير مبررة من الدائرة.
(ج) ذكرت الدائرة في قرارها أن قرارات اللجنة لم يسبقها تحقيق، وواضح جدا أن الدائرة لم تفرق بين الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في قانون محاسبة لعاملين والإجراءات المنصوص عليها في قانون التفكيك، فلجنة التفكيك تجمع بياناتها من مصادر متنوعة أهمها كشوفات عضوية المؤتمر الوطني وواجهاته وممارستها في أجهزة الدولة.
صدر القرار رقم 215 في ديسمبر 2019، من رئيس المجلس السيادي بتشكيل لجنة إزالة التمكين ولجنة الاستئنافات ضد قرارات لجنة إزالة التمكين. وأسندت رئاسة لجنة الإستئنافات برئاسة السيد إبراهيم جابر وعضوية رجاء نيكولا ووزير العدل عضوا ومقررا + عضوين من الحرية والتغيير. وقد تعذر ممثلا الحرية والتغيير. وهذا الوضع ليس مقصودا به المماطلة ولكنه يعود لطبيعة التحالف الحاكم ألا وهو الحرية والتغيير التي لم تتمكن من استبدال عضويها الذين تقدما باستقالتهما وإحلال غيرهما مكانهما. وقد أوضحت الأستاذة رجاء نيكولا عضو المجلس السيادي ونائب رئيس لجنة الاستئنافات أن اللجنة ظلت تعمل وتراجع أداء لجن إزالة التمكين فكان حرى بالطاعنين توجيه طعونهم لتلك اللجنة وليس للدائرة المذكورة التي أصدرت الحكم محل هذا النقد. والدائرة كانت متعجلة في وصف عدم تشكيل اللجنة بأنها كلجنة لم تقبل الاستئنافات المقدمة لها ووصفت الدائرة ذلك بالتماطل وأوردت مبدأ في القانون الأنجليزي Delay defeat equity ولعجلتها لم تتحقق الدائرة من الصياغة اللغوية الصحيحة للمبدأ والصحيح هوdelay defeats equity وهذا الستشهاد ليس في محله إذ أن اللجنة المذكورة لم يتم تشكيلها بما يوافق صحيح القانون، فلو أنها قائمة ولم تمارس سلطاتها فيحق للدائرة اسباغ هذا الوصف عليها أما كونها لم تشكل بالطريقة الصحيحة فذاك خلل سياسي لا يليق بثورة ديسمبر لكنه لن يمنع المتضرر من الوصول للقضاء حينما يكون ذلك متاحا لطلب ما يريد وتعويضه عن الأضرار التي حاقت به.
(د) اجتهدت الدائرة لملء الفراغ التشريعي ولجأت لقانون القضاء الإداري واعتبرت أن التظلم قد رفض استنادا لعدم فصل الجهة الإدارية فيه خلال 30 يوم من تاريخ رفعه. ويبدو أن هذا يعتبر ردا من الدائرة على المطعون ضدها حول القيود الزمنية وأن قرار الدائرة سابق لأوانه. وهذا اجتهاد لا مسوغ له وفيه تطاول على لجنة الإستئنافات المنصوص عليها في قانون التفكيك وإلغاء لدورها تماما. وهو ما لا يليق بالقضاء الذي يجب عليه احترام أجهزة الدولة المختلفة باعتباره الجهة المستقلة للفصل في النزاعات دوم وجل أو محاباة لأي جهة.
(هـ) سرد القرار عضوية اللجنة وأبان أن هناك تقاعس في تشكيل اللجنة الأستئنافية مما يقدح في تطبيق شعارات الثورة ممثلة في الحرية والسلام والعدالة. وذكرالقرار أن هذه هي العدالة لمن يريد أن يعدل وفقا للقوانين المنظمة لإزالة التمكين ، ولكن هيهات. وهذه العبارة الأخيرة تقدح في عدالة من يتولون تحقيق العدالة في إطار إزالة التمكين وقد وردت بصورة تهكم لا يليق بالقضاء تضمين أحكامه تهكما ضد أي جهة تمثل أمامه.
خلاصة القول :
أن قرار الدائرة المختصة قد جانبه الصواب شكلا لأنه لم يلتزم بالتسلسل في نظر الطعون بعد أن تكون لجنة الإستئنافات قد نظرت التظامات ,أصدرت قرارتها بشأنها.
الدائرة اجتهدت اجتهاد لا مبرر له بتطبيق قواعد القضاء الإداري في أمور يحكمها في الشكل والمضمون قانون إزالة التمكين.
بعض القضاة الذين شاركوا في اتخاذ القرار لهم مصلحة فهم ممن شملتهم قرارات إزالة التمكين وبعضهم له آراء مسبقة في قانون إزالة التمكين والإجراءات المتخذة بموجبه، فكان حري بهم أن يتنحوا عن نظر مثل هذا الطعن.
القرار موقع من قبل شخص واحد مما يقدح في صحته ونسبته لمن أصدروه.
وعليه أنصح لجنة إزالة التمكين مع وزارة العدل تقديم طلب للمحكمة العليا لمراجعة هذا القرار.
ولكم صادق الود
عماد الدين بشير آدم فضل المحامي، المملكة العربية السعودية، الرياض
6 أكتوبر 2021