*الزمن الجميل وكتابات هاشم صديق وعلبة البرنجي؟!*
__________
*بقلم✍️محمدعكاشة*
________
تزدهيني حالة الأستاذ هاشم صديق شاعراً وناثراً وإنساناً مثلما يزدهي الطل في الورود فهو حالة غراء في الكفاح الإنساني والكتابة الإبداعية المثمرة في ضروب المعرفة المختلفة.
من بعد منتصف تسعينات القرن الماضي نهد الرجل يكتب زاوية راتبة في صحيفة(ظلال) تحت عنوان(عيون الأرخبيل) وكتابته كانت ضرباً من الإمتاع والمؤانسة فضلاً عن كون عموده كان مادة تنتقد الراهن السياسي وتنقضه عروة عروة بصورة مباشرة أو من خلال مرموزات شاعريته الفذة.
صحيفة(ظلال) المأذون لها من قبل السلطات بتصريح يحصر نشرها في تغطية النشاط الثقافي في تصنيف مخاتل من المشرع يبغي به (كتم) الحريات الصحافية ولاريب غير أن الصحيفة كان جوهر عملها هو التوثيق للرموز السودانية في مختلف المجالات وكان بتقديرها وتحريرها أن الثقافي لا ينفصم عن السياسي وعن الاقتصادي فمن ضمن التعريفات السوسيولوجية للثقافة أنها التعبيرعن مجمل السلوك الإنساني مادياً وروحياً .
إحتجب عمود (عيون الإرخبيل) ذات مرة ولقد كانت مقالات هاشم صديق كل أسبوع هي حافز لزيادة معدلات التوزيع وتعزيز لذيوع المنشورات الثقافية بين الناس.
غدونا الي مكاتب الصحيفة باكراً لنجد مظروفاً قشيباً في البريد ورسالة من قارئ لم يمهر اسمه وعنوانه بها ونص رسالته يقول:-
( أين عيون الإرخبيل..؟! ياسادة.. نحن في هذا الوطن لم يتبقي لنا من الزمن الجميل شيء سوي تدفق نهر النيل العظيم وكتابات هاشم صديق وعلبة البرنجي).
ثم..
في ذات العدديصدر مقال لصديقنا عامرطه المادح بعنوان (نوستالجيا الحنين إلي الماضي) ليصيح مدهوشا استاذي في كلية الموسيقي والدرما الدكتور عثمان جمال الدين يستفسرني عن الكاتب والكتابة والنشيد.
كتابات هاشم صديق وقتذاك خصصها لصحيفة ( ظلال) فيها إستدعاء لصور الزمن الجميل من خلال رموزه الإبداعية وتاريخ السودان القديم وعبر (تلك النيمة) وهاشم مبدع فدم ومهر أرن في مجاله ينبغ فيه مذ كتب (ملحمة) أكتوبر وهو فتي صغير بيدأنه كان فتي يلمعيا ذا زكانة.
كتابات هاشم صديق تقفو ما آل إليه(حال البلد) بعد حقبة تاريخية قام فيها خطيباً بقاعة الأمم المتحدة الزعيم محمد أحمد المحجوب وهو يخطب بلغة انجليزية رصينة كأفضل الناطقين بغيرها وفي ذات الأيام قام يستدين من تجار سوق امدرمان السيد اسماعيل الازهري رئيس حكومة السودان ولا تمتد يده إلي المال العام يسرق خزائنه وحقبتئذ طار في الخافقين اسم الطيب صالح كاتباً روائياً تترجم (موسم الي الهجرة الي الشمال) الي عشرات اللغات بل ويبعث رئيس دولة السنغال بابنتيه الي الخرطوم ليشهدن جمال عاصمة السودان ونظافتها وتحضر قاطنيها ليعود يكتب الاستاذ هاشم صديق (من أعلن النعي علي ذاك الزمان) في العددالتالي.
حي العباسية بأم درمان لا تنقضي عجائبه ولاتنتهي حقائقه ولا تعزب (تجلياته) وأهله عن خاطرات هاشم صديق وكتاباته.
جدنا ووالدنا الشيخ محمدزين الفكي ابراهيم الفضلالابي أقام بيته وخلوته بحي العباسية عام إحتلال فلسطين أو عام تفريط الفلسطينين ببيع أراضيهم لليهود وعامذاك كانت منطقة العباسية خلاء بلقع يحيط بنواصيها (الرباطة) ولكن إقامة والدنا (الشيخ) بها لفت نظر العلامة الدكتور عبدالله الطيب في وقت لاحق يعجب بأن الشيخ الزين يوقد ناراً للقرآءن بها ولكنه يثقب المستقبل ويجزم بعمارتها ذات يوم.
مطلع سبعينات القرن الماضي ونحن “شفع” أيفاع بديوان وخلوة (أبونا) شيخ الزين يلفت أنظارنا شاب في الجوار يزور (الخلوة) بإنتظام ثم ذات الشاب مساء نرمقه في زي رياضي منسق يلمع نجما في شاشة تلفزيون السودان في مباريات القمة وكان وقتها التعليق الرياضي مدرسة علي طريقة طه حمدتو.
كرة القدم أيام (الزمن الجميل) كانت تضاهي حالات التقدم في المجالات الأخري فالسودانيون يبرعون في الطب وفي السياسة وفي الفنون وفي معرفة ضروب الرياضة ويحفظون قواعد لعبة كرة القدم وكان لاعب كرة القدم وقتذاك ملهماً للجماهير ونجماً يتلألأ.
الشاب نصرالدين عباس جكسا يلمع نجمه ونحن نحتفي بلقاءه وتحيته وهو يتردد علي ديوان جدنا تمتد بينه الصلات وتتوثق عري المحبة والجوار.
جكسا حينئذ لم يكن لاعباً موهوباً ضمن فريق نادي الربيع ثم الفريق القومي ثم نادي الهلال فحسب وإنما نابغة في قواعد اللغة الإنجليزية والآداب وفي محاريب أخري.
جكسا رغم قصر فترته في (الميادين) ثلاث سنوات في نادي الربيع وأربعة عشرعاماً في نادي الهلال إلا انه حقق صعوداً باهراً في مضماركرة القدم مماأهله ليرغب (اليوغسلاف) لضمه الي ناديهم بل ووقع الإختيار عليه وتكريمه بدولة جنوب أفريقيا ضمن أفضل لاعبي كرة القدم في أفريقيا.
نصرالدين جكسا يستبق بقدراته وأداءه البديع (أسطورة) في المستطيل الأخضر فهوحين يعبر إلي خط ستة فليس ثمت إحتمال آخر سوي إحراز الأهداف بمعيار الذهب.
كابتن نصر إذ يغادر فريق نادي الهلال العظيم عام 1977 يتجه الي مجال التدريب بذات سرعات تفوقه في لعبة كرة القدم ليحظي بتكريم (الألمان) وتقريظهم براعته وتفرده في مجال التدريب وتأهيل اللاعبين.
الكابتن نصرالدين عباس جكسا أمد الله في أيامه المباركات بعد تفرغه عكف علي إصدار سفره الموسوم بعنوان (جكسا والأهداف الذهبية) في خمس طبعات مختلفات ثم هو يعكف هذين اليومين علي تنقيحه بإضافة نوعية تغني فصوله بالتوثيق الرياضي لبعض المحطات الهامة إضاءة لنواح مهمة في تاريخ الرياضة السودانية.
الطبعة السادسة لسفر الكابتن نصرالدين جكسا لو لم تتعثر بوجهها كلفة الطباعة المتزايدة وإزورار المنشغلين بالتوثيق الرياضي عن أهميته فلسوف تكون مرجعاً مهماً في مجال مايزال مكانه بالمكتبة السودانية شاغراً .
makasha141@gmail.com