
#صالون الريس
استاد الخرطوم شاهد على المحبة
د/ أشرف الريس
أعزائي القراء الكرام تحيةً واحترام وبسم الله نبدأ الكلام… لم يكن استاد الخرطوم “الذي تم تحريرها في الأيام الماضية “مجرد ساحة رياضية، بل تحول عبر التاريخ إلى منبر للقادة والزعماء، ومسرحًا للأحداث التي غيرت مجرى السياسة في المنطقة. ففي الثاني من يناير عام 1970، وقف الزعيم المصري الخالد جمال عبد الناصر وسط حشود الشعب السوداني، يشكرهم على دعمهم في أصعب لحظات الأمة العربية. لم يكن هذا اللقاء عاديًا، بل كان امتدادًا للحظة تاريخية سبقت ذلك بثلاث سنوات، عندما احتضن السودان مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1967، والذي عُرف بمؤتمر “اللاءات الثلاث”، في أعقاب نكسة يونيو.
حينها، خرج الشعب السوداني بأعداد غفيرة، من المطار إلى القصر الجمهوري، ليحتفي بعبد الناصر الذي كان يصف نفسه بـ”الرئيس المهزوم”. لكن السودانيين لم ينظروا إليه كذلك، بل رأوه زعيمًا يقود معركة التحرر الوطني ضد العدوان الصهيوني الإمبريالي الأمريكي. فكانوا بوعيهم السياسي العميق، وبتاريخهم النضالي العريق، يدركون أن الهزيمة ليست نهاية الطريق، بل محطة للعودة أكثر قوة وصلابة.
لم يكن دعم السودان لمصر مقتصرًا على المواقف السياسية، بل تجسد في أسمى صوره عندما بقيت القوات المسلحة السودانية في مصر، تقاتل جنبًا إلى جنب مع أشقائها المصريين، متخندقة في جبال عتاقة على ضفاف قناة السويس، تنتظر لحظة الثأر. وعندما حانت لحظة العبور في السادس من أكتوبر 1973، كانت القوات السودانية جزءًا من هذه الملحمة، تؤكد أن مصير مصر والسودان واحد، وأن الدم العربي لا يتجزأ في معركة المصير.
وعلى مدار عشر سنوات، منذ نكسة 1967 وحتى عام 1977، لم تتوانَ القوات السودانية عن حماية مصر وشعبها، إلى أن اختارت القيادة المصرية في عهد الرئيس السادات الحل السلمي عبر اتفاقية كامب ديفيد، فكان القرار السوداني بالعودة إلى أرض الوطن، بعد أن أدت القوات واجبها القومي بشرف.
لم يكن موقف السودان من القضية الفلسطينية وكفاح الشعوب المستعمَرة وليد لحظة، بل كان امتدادًا لمواقف تاريخية راسخة. فلطالما دعم السودان نضال الفلسطينيين من أجل حقوقهم المشروعة، وساند كفاح نيلسون مانديلا ضد نظام الفصل العنصري، واحتضن الثوار الإريتريين في نضالهم من أجل الاستقلال.
وفي المقابل، لم يكن الشعب المصري أقل وفاءً للسودان، بل ظل على مر العصور يحمل في قلبه محبة صادقة للأشقاء السودانيين، مؤمنًا بوحدة المصير والروابط الأزلية التي تجمع البلدين. كان المصريون دائمًا يرون في السودان الامتداد الطبيعي لوطنهم، وكانوا يقفون إلى جانبه في كل محطاته المصيرية، يدعمونه في استقلاله، ويساندونه في قضاياه العادلة. فالمحبة المتبادلة بين الشعبين ليست مجرد شعارات، بل واقع تعكسه المواقف والأحداث التاريخية، حيث ظل المصريون والسودانيون كتفًا بكتف، يجمعهم النيل، ويجمعهم التاريخ، وتجمعهم الأحلام المشتركة لمستقبل أكثر إشراقًا لكلا الشعبين.
وأقول ختاماً إن ما يجمع مصر والسودان ليس مجرد الجغرافيا أو المصالح المشتركة، بل تاريخ طويل من النضال والمصير المشترك، وقلب نابض بالمحبة المتبادلة. ولا يزال استاد الخرطوم شاهدًا على تلك اللحظة الفارقة، حين التقى عبد الناصر بجماهير الشعب السوداني، في تأكيد أن الأمل لا يموت، وأن الشعوب العربية قادرة على تجاوز المحن والانتصار على كل التحديات، يدًا بيد، قلبًا بقلب.
#من_اجل_صناعة_مجد_السودان
تحياتي
د/ أشرف الطاهر حماد
الأمين العام للجهاز الشعبي لنهضة السودان