للذكرى والتاريخ نعيد نشر هذا المقال القصير عن توقعاتنا بالتطبيع مع دولة إسرائيل قبل سبعة أشهر ، وهو عن واقعةٍ واقعة نعيشها هذه الأيام وربما يتم الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة قبل نهاية العام .. تلك كانت قراءتنا ، وهذه أيضا قراءتنا .. فليستعد الجميع لأول وأكبر وأخطر قرار ستتخذه الحكومة الجديدة بعد التعديل الوزاري المرتقب .*
لا أحسب أن أحداً في السودان علم بلقاء تم بين الرئيس السابق عمر البشير بالرئيس الإسرائيلي الأسبق “عزرا وايزمان ” في دولة جنوب أفريقيا في أحد المؤتمرات ، وهو لقاء عابر لم توثقه الكاميرات ولم تنقل الصحافة والوسائط الإعلامية تفاصيله لثلاثة أسباب ، الأول أن البشير لم يكن يعرف من هو ذاك الذي تقدم نحوه ماداً يده ومصافحاً البشير قائلاً له: (أنا سعيد برؤيتك يا فخامة الرئيس) وقد بادله البشير التحية، والسبب الثاني هو أن أحد المرافقين لرئيس الجمهورية المعزول وقف حاجزاً بين عدسة أحد المصورين وبين هذا المشهد الفريد وحجبه بظهره، وما أن انصرف الرجل حتى تساءل الرئيس السابق، وفق رواية الأستاذ محجوب فضل بدري السكرتير الصحفي الأسبق للرئيس المخلوع في كتابه (عمر من كوبر إلى كوبر) وقال لمرافقيه (ده منو ده) فقيل له: إنه الرئيس الإسرائيلي ” عزرا وايزمان” فارتفع حاجب البشير بالدهشة وقال: ” بالله أنا من قبيل بقول ياربي الزول ده أنا شايفو وين ؟ ” أما السبب الثالث فهو إن أحداً من مرافقي البشير أو ” وايزمان ” لم يشر لهذه الواقعة.
قطعاً هذا الحدث وقع إبان رئاسة “عزرا وايزمان ” لإسرائيل التي إمتدت من 1993م إلى عام 2000م ، وقد توفي بعد ذلك بخمس سنوات . الحدث لم يكن في تقديرنا صدفة ، فإسرائيل ظلت تسعى للتطبيع مع السودان منذ سنوات ، وربما إعتقد قادتها إن التطبيع يبدأ (بنظرة فسلام فكلام) لكن سياسة التطبيع خلال حكم النظام السابق لم تجد إلا الأذن الصماء والعين العمياء ، وقد أورد الأستاذ محجوب فضل بدري أسراراً خطيرة ومثيرة في كتابه الذي صدر مؤخراً حول الضغوط التي تعرض لها النظام السابق من أجل التطبيع مع إسرائيل ، وجاء بأمثلة ونماذج عديدة من بينها أن مسؤولاً أمريكياً رفيعاً قال للرئيس المعزول في لقاء جمع بينهما إن بلاده على إستعداد لإنهاء مشكلة دارفور مقابل التطبيع مع إسرائيل لكن الرئيس السابق رفض.
وجاء بمثل آخر عندما قابل البشير وفداً من رجال الأعمال الأمركيين وعددهم ثلاثة ، جلسوا لأكثر من ساعة وهم داخل بيت الضيافة ، يحدثونه عن إمكانية استجلاب كبريات الشركات العالمية العابرة للقارات لتستثمر في السودان ، وكانوا خلال الحديث يلحون إلى التقدم العلمي والتقني في مجالات الزراعة والهندسة الزراعية والتصنيع الغذائي ، ومعايير الجودة التي تتبعها الدول الأوربية وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط . وعندما خرج الثلاثة من اجتماعهم ذاك إعتمر كل واحد منهم القلنسوة اليهودية، والتقطوا صوراً لهم أمام بيت الضيافة بعد أن فشلت مهمتهم في إستدراج الرئيس السابق كما جاء في كتاب الأستاذ محجوب فضل بدري .. وهنالك أمثلة عديدة.
الآن تغير النظام القديم وأصبحنا نستظل تحت ظل جديد ، وقد تغيرت السياسات – خاصة الخارجية – فهل نتوقع تطبيعاً مع إسرائيل . أو إعترافاً رسمياً بها (؟) هذا السؤال ستجيب عليه الأيام القادمة ، وربما قبل نهاية الفترة الإنتقالية