
لم يكن صباح يوم أمس الأحد كسائره من الصباحات الأخرى، فثمة حدث ينتظره الجميع سيما الذين أتعبتهم الحروب وضاقوا ويلاتها، فهؤلاء أكثر من يعرف قيمة السلام.. فعقب سنوات من الكفاح المسلح تضع الحرب أوزارها في البلاد ويضع قادة الحرب وقتذاك صناع السلام اليوم، أقدامهم على مطار الخرطوم تاركين خلفهم سنوات طوال قضوها في منافيهم الاختيارية للمشاركة في المرحلة الانتقالية.
بوصول قادة الجبهة الثورية أمس، يغلق باب الحرب وتفتح أبواب السلام بالسودان، لتصاغ بذلك الحضور مرحلة جديدة قوامها وعنوانها (السلام).. يصل (مناوي) و (جبريل) و (عقار) واضعين سلاحهم أرضاً.. يرقص مالك فرحاً ويبتهج مناوي ويهتف جبريل، مخلفين وراءهم ذكريات التمرد وسنوات الحرب وعذابات القهر لقيادة مرحلة ما بعد البشير.. (الإنتباهة) تعرض بعضاً من سنوات هؤلاء القادة ومواقفهم وتمردهم خلال السياق التالي:
جبريل.. كاريزما القيادة
لم تظهر ملامحه في الجانب العسكري والسياسي الا عقب وفاة شقيقه الراحل د. خليل ابراهيم. فقد كان الجدال وقتها حول من الذي سيخلفه من الشخصيات القيادية البارزة في حركة العدل والمساواة، بكفاءة سياسية تتسم بالكفاح المسلح.. هكذا كان الاتجاه يومها للبحث عن هذا الشخص الذي لديه المقدرة للسيطرة على الميدان بهمة عالية كما كان (خليل) يقود المعارك للدرجة التي وصل فيها إلى ام درمان بنفسه بشجاعة كبيرة.
لم يكن الناس يتحدثون عن أسماء بقدرما انهم يتحدثون عن شخصيات، فوجدوا انه شقيقه الدكتور جبريل إبراهيم هو الأقرب بحكم كفاءته العلمية وحرصه السياسي ووجوده الحقيقي في الميدان، وبحسب مقربين منه فإن كاريزما الراحل خليل كانت تغطي على إمكانات جبريل التي لم تظهر إلا عقب وفاته، وأيضاً من دائرة المقربين للمنصب كان الأخ غير الشقيق لخليل (عشر)، لكن القبضة الحقيقية لجبريل في الميدان مكنته في خلف شقيقه من إدارة الحركة التي استطاع قيادتها في وقت عصيب، وبوفاة خليل التي ظن الجميع أن الحركة لقت حتفها، وأيضاً عقب معركة قوز دنقو الشهيرة، لكن جبريل سرعان ما استطاع اعادة التوازن في إدارة الحركة بجدارة واقتدار، وها هو يأتي بالأمس للعمل لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية عقب جولات من التفاوض معه.
مناوي.. سنوات الحرب
وعقب عشرة أعوام من العمل المسلح حط رئيس حركة تحرير السودان مني اركو مناوي بمطار الخرطوم صباح أمس، وفي البال ذكريات من سنوات قضاها كبيراً لمساعدي الرئيس المعزول البشير، قبل أن يعلن تمرده دون أسباب مخلفاً وراءه عبارته الشهيره (مساعد اللوري لديه صلاحيات اكثر مني).
وبدأ مناوي تمرده بحركة جيش تحرير السودان التي تولى فيها منصب الأمين العام من عام ٢٠٠٢ إلى عام ٢٠٠٦م قبل أن يتولى منصب كبير مساعدي البشير بموجب اتفاقية أبوجا لسلام دارفور في الفترة بين عامي ٢٠٠٦ إلى ٢٠١٠م، وشغل ايضاً في تلك الفترة منصب رئيس السلطة الانتقالية لإقليم دارفور. ومن المفارقات أن الحكومة كانت تدير المفاوضات برئاسة الراحل مجذوب الخليفة رئيس الوفد، وكل المؤشرات تشير إلى أن الأقرب إلى التوقيع على اتفاقية أبوجا هو عبد الواحد محمد نور، لكن تعنته حال دون ذلك، فرضخ مناوي وجاء إلى الخرطوم في عام ٢٠٠٦ ليخرج في عام ٢٠١٠ بدون مقدمات، معلنا تمرده ومعترضاً على أنه بلا صلاحيات، رغم أن الحكومة خصصت له منصب كبير مساعدي وهو منصب لم يكن موجوداً وقتها وابتدعته الحكومة له، وتم لاحقاً تغيير المسمى إلى مساعد أول رئيس الجمهورية، وقد منحته الحكومة للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي شغله نجل الميرغني جعفر الصادق الميرغني.
عقار.. الأستاذ المتمرد
برقصات فرح وثقت لها الكاميرات، حط رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال مالك عقار بمطار الخرطوم، بعد سنوات من تمرده الشهير بعد أن كان والياً لولاية النيل الأزرق بموجب اتفاقية نيفاشا ٢٠٠٥م التي شغل فيها أيضاً منصب وزير الاستثمار في النظام السابق.
وبدأ عقار مشواره بالتدريس غير أن هموم منطقته والتهميش الذي يشهده جعله ينضم إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، قبل أن يعود إلى البلاد بموجب الاتفاقية ويشغل منصب وزير ثم والياً لولاية النيل الأزرق، قبل أن يعلن تمرده ويعود إلى الميدان متحالفاً مع قيادات الجبهة الثورية. وبحسب البعض فإن عقار أراد السيطرة على الولاية بعد أن نحا منحى آخر بتحريض المواطنين على ضرورة التصويت للحكم الذاتي للمنطقتين، بدلاً من التصويت لـ (المشورة الشعبية)، وهي استفتاء شعبي أقرته اتفاقية نيفاشا للوقوف على مدى تحقيق الحكومة لتطلعات المواطن في ما يتعلق بالخدمات ليقول كلمته، لكن قائد المنطقة العسكرية وقتها يحيى محمد خير كان ممسكاً بزمام المبادرة، فكان له بالمرصاد للدرجة التي جعلت عقار بحسب الروايات يسر إلى أصدقائه بأنه ليس الوالي الفعلي وان يحيى يطبق على أنفاسه، ولم يمض وقت كثير حتى خرج معلناً تمرده الشهير.
الانتباهة