
منذ اللحظات الاولى لإعلان السودان التطبيع مع إسرائيل، اتجهت التوقعات الى أن يكون القطاع الزراعي المستفيد الأول من ذلك للميزة التي اشتهر بها الجانب الإسرائيلي في التكنولوجيا الزراعية ونهضة القطاع في العديد من الدول التي لها تعاون مع تل أبيب، ولعل ما يعكس رغبة إسرائيل في الاستثمار الزراعي بالسودان الذي يعد البلد الوحيد لتحقيق الأمن الغذائي بالمنطقة، ما تم إعلانه اخيراً عن زيارة وزير الري والزراعة الإسرائيلي في مطلع ديسمبر القادم للسودان. ويمتلك السودان اكثر من (280) مليون فدان من الاراضي الصالحة للزراعة .
(اسرائيل دولة رأس مالية تتعامل بالفائدة، والسودان لا تنقصه الآليات) هذا ما ذهب اليه الخبير الزراعي د. محمد السباعي الذي قلل من أهمية الزيارة، مستنداً في حديثه لـ (الإنتباهة) الى ان البلاد ليست بحاجة الى معرفة علوم اضافية في المجال الزراعي من إسرائيل او غيرها، مؤكداً أن البلاد لديها من العلوم ما يغنيها عن البحث عنها في اية دولة اخرى، لجهة وجود العلماء والخبراء والتجارب الكافية والنظريات والتطبيقات العلمية، جازماً بأن ما ينقص السودان الإرادة من الدولة للتنفيذ، لجهة أن الدولة لا تنفق على المجال الزراعي سوى 2%، ورهن الاستفادة من تكنولوجيا الزراعة الإسرائيلية بتغيير التخطيط والاتجاه نحو الزراعة اتجاهاً جاداً .
وشدد على تطبيق الخطط التي وضعتها البحوث الزراعية المتضمن في كتيب البحوث الزراعية .
وقال: (في حال مشاركة اية دولة في المجال الزراعي فلن تخرج بعيداً عن البحوث في القطاع الزراعي في البلاد، وذلك لتوفر البحوث والجامعات والعلماء ذات الكفاءة العالمية في كافة المجالات، بيد ان الدولة لا تأخذ بنصائحهم ولا تعمل على تطبيقها) .
ولفت الى ان العلة الاساسية تكمن في الحكومة المركزية وحكومة الولايات، علاوة على الارادة السياسية لتنفيذ البرنامج المطروح في القطاع الزراعي، واشار الى انه في حال تم تنفيذ البحوث وفشلها يمكن وقتها البحث في بلدان اخرى .
ولفت السباعي الى تجربة رئيس مجلس الوزراء الماليزي ورائد النهضة في ماليزيا مهاتير محمد، الذي اكد على ان نهضة دولة ماليزيا بالتعليم والزراعة، وقد ذكر أنه عمل على تخصيص 35% من ميزانية الدولة للمشروعات الكبرى في الزراعة والتعليم، ونبه الى ان مشروع الرهد الزراعي تم إنشاؤه بأكثر الآليات تطوراً منذ عهد الرئيس عبود، بيد انه بعد اقل من ثلاث سنوات عاد لسيرته الاولى باستخدام الآليات البدائية لعدم الحفاظ عليها، وذلك لشح الكوادر المؤهلة لاستخدام الآليات ومواكبة التطور الحديث، ولفت الى نجاح تجربة القطاع الخاص المتمثلة في شركة الراجحي واسامة داؤود لاستفادتهما من تلك التكنولوجيا افضل من إسرائيل نفسها، وذلك لتوفر الارادة لديهما، ونوه بأن وزارة الزراعة لا تعمل ووزارة المالية لا تنفق، وقال متسائلاً: (ماذا ستقدم إسرائيل، هل ستقدم كوادر بشرية ؟)
واضاف قائلاً: (نحن لم نعمل على مساعدة انفسنا ولم نفعل ارادتنا حتى في بناء القدرات الارشادية)، وجزم قائلاً: (في حال قدمت إسرائيل افضل الآليات تطوراً سيتم تدميرها)، وشدد على انه يجب بناء البشر اولاً قبل اتخاذ اية خطوة .
تحديد رؤية
وفي المقابل تعول وزارة الزراعة كثيراً على خطوة التطبيع في النهوض بالقطاع، بأن يفتح آفاقاً جديدة للسودان في المجال الزراعي باعتبارها من الدول المتقدمة في المجال بشكل كبير خاصة في مجال استخدامات المياه، وبحسب الخبير الزراعي د. محمد احمد عمر فإن العالم يهتم باقتناء التكنولوجيا بشكل كبير، وان التطور والتقدم التقني العالمي له اهمية كبرى لنماء الامم ولتأمين مواقفها خاصة الامن الغذائي، وطالب الدولة بأن تولي عرض إسرائيل اهتماماً كبيراً، لجهة ان هذا مكسب كبير او عائد يمكن ان يكون مقابله مجزياً لتبادل التكنولوجيا. ونوه بأن الجانب الذي أكمل الاتفاق مع اسرائيل لم يكن ملماً بنوعية التكنولوجيا التي يحتاجها السودان والموجودة لدى إسرائيل، واوضح أنه مع بداية الاتفاق على التطبيع تمت مطالبة الدولة من قبل الخبراء الزراعيين بالاستعانة بالخبراء السودانيين والاسرائيليين في دول العالم الاول، وتحديد نوعية التكنولوجيا التي تحتاجها البلاد، وان يكون هذا الجانب جزءاً اساسياً في ملف التفاوض، وشدد على أهمية أن تستعين الدولة بالخبراء وبرؤية محددة ليتم النقاش حولها مع الوفد الاسرائيلي بهدف الوصول لصيغة جيدة لاقتناء التكنولوجيا، مبيناً ان ما تقتنيه إسرائيل من تكنولوجيا تقوم ببيعها حتى لدول العالم الاول بما فيها استراليا وكندا وامريكا، خاصة ما يتعلق بالهندسة الوراثية والدراسات الجينية لكل الاصناف الزراعية، وقد انعكس ذلك ايجاباً على مقدرة إسرائيل على تطوير انواع كثيرة من النباتات المختلفة لزيادة الانتاجية وسهولة حصادها وجودة المنتج.
الانتباهة