سيطرة الدولة
وظلت الحاضنة السياسية للحكومة( قوى الحرية والتغيير) بالسودان رافضة لرفع الدعم السلعي، في المقابل، تمسكت وزارة المالية بقرار «إعادة ترشيد» دعم الوقود، هذا ما ذهب إليه عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير محمد نور كركساوي الذي أكد ان للجنة رأيا مختلفا عن ما ذهب اليه الجهاز التنفيذي بشأن السياسات الاقتصادية المعلنة، مشيرا إلى أن البلاد زاخرة بالموارد لا تحتاج لرفع الدعم او غيره، وتأسف على إصرار الجهاز التنفيذي على تحريك سعر الصرف للدولار مقابل الجنيه السوداني، بجانب تغيير سعر الدولار الجمركي، نتيجة لارتباطه مع سياسات البنك الدولي، وأضاف أن اللجنة أوضحت لوزارة المالية عدم اعتراضها على هذه السياسات ورهنت ذلك بتنفيذها على المدى البعيد، وضرورة وتطبيق إصلاحات هيكلية في الاقتصاد السوداني عبر حشد الموارد وسيطرة وزارة المالية على موارد البلاد خاصة وان 80٪ من الإيرادات خارج سيطرة الدولة مما أضعف قيمة الجنيه السوداني الشرائية، جازما بعدم تطبيق الضوابط على السيطرة على التضخم في حال لم تتم الإصلاحات، لافتا إلى أن رفع الدعم عن الوقود يقود لرفع أسعار النقل وبالتالي زيادة جميع السلع الاستهلاكية وزيادة التضخم مما يصعب على ذوي الدخل المحدود الحصول على احتياجاتهم اليومية .
(عصفور فوق الشجرة)
وقال كركساوي ان استعجال وزارة المالية لإصدار قرار تحرير الرقود ناتج من موعد مع البنك الدولي وتعهدات التزموا بها مع البنك الدولي، واضاف «هم ينظرون لعصافير فوق الشجرة» من إعفاء الديون وعند تطبيق هذه السياسات يدخل السودان ضمن دول «الإبيك» التي تحتاج لمساعدة وإعفاء الديون، ونوه الى ان هذا الأجراء يعتبر على المدى البعيد ويأخذ زمنا، وفي المقابل تزداد نسبة الفقر في البلاد لا تقل عن 70٪، وتساءل عن كيفية دعم هذه الاسر عبر دفع قيمة 5 دولارات للفرد تأتي من البنك الدولي؟ واصفا المبلغ بالزهيد، مبينا أن البنية التحتية لتحديد الفئة التي تستحق مبلغ الدعم وكيفية الوصول إليها، لعدم وجود إحصائيات دقيقة قد تؤدي إلى فساد، وأوضح ان اللجنة طالبت الحكومة بالسير عكس سياسات البنك الدولي بتقوية الجنيه عبر حشد الموارد حتي ياتي وقت تحتاج فيه المالية لدعم السلع لجهة ان السعر يكون موحدا على المستوى الأدنى وليس مستوى التحرر، عبر إرجاع السوق الموازي للسعر الذي تم تحريره، واشار الى استمرار اجتماع اللجنة مع المالية للوصول لنتائج إيجابية .
وسبق وأن أجازت الحكومة الانتقالية موازنة معدلة للعام الجاري في أغسطس تشمل رفع الدعم عن المحروقات وتحرير جزئي لسعر الصرف وزيادة سعر الدولار الجمركي، وواجهت انتقادات حادة مطالبة بإسقاط السياسات المؤيدة لرفع الدعم وتفعيل دور الدولة في حماية المواطنين.
الحلول السهلة
ويصف الخبير الاقتصادي والقيادي بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار قرار توحيد سعر الوقود وفق الاسعار العالمية بأنها من اسوأ القرارات التي تكررت لاكثر من ثلاث مرات خلال العام الحالي، وجزم كرار في حديثه لـ(الإنتباهة) بأن القرار لم يجن اي فوائد دون الرفع من نسب التضخم الاقتصادي الذي خلق المزيد من معاناة المواطنين في النقل والحياة المعيشية، مؤكدا ان كل ما يتعلق بسوء من الادارة الاقتصادية أتى من رفع اسعار الوقود، لجهة انه محرك الاقتصاد الاساسي بيد انه اساس الزراعة والصناعة والكهرباء… الخ .
منوها ان الحكومة خلال بحثها عن المزيد من الاموال تلجأ الى الحلول السهلة كرفع اسعار الوقود، ونبه الى ان هذا القرار يعتبر التزاما بشروط صندوق النقد الدولي بيد انه اشار الى ان نتائجه تكمن في تحطيم الاقتصاد وخلق وضع صعب على المواطن صاحب الدخل المحدود، وأوضح ان هذا القرار يسير في خانة تأزيم الوضع الاقتصادي وعدم حل مشكلة الوقود، لجهة تواجد الندرة التي لا تحل بزيادة الأسعار .
وشدد كرار على ضرورة الاستغناء عن هذه السياسات، مشيرا الى أن الثورة جاءت لتحسين حياة الناس وليس لتعسرها، وتابع : زيادة الوقود تعني المزيد من السخط والغضب الشعبي .
تآكل الرواتب
وتشير الإحصاءات الى أن حاجة البلاد من البنزين 4200 طن يومياً، يتم توفير 2800 طن من الإنتاج المحلي، وتغطية الباقي من طريق الاستيراد. بينما يبلغ حجم الاستهلاك اليومي للجازولين 10 آلاف طن، يتم توفير 4500 طن يومياً من الإنتاج المحلي، ويستخدم هذا النوع من الوقود في مجالات الزراعة والصناعة والتعدين والنقل بشكل عام .
سماسرة القطاع الخاص
وفي المقابل قال عضو اللجنة الاقتصادية التجاني حسين انه فيما يتعلق بسعر المحروقات فإن الدولة هي المسؤولة عن استيراد الاحتياجات الاساسية للمواطنين المتعلقة بالمحروقات والقمح والدواء، وطالب التجاني الدولة القيام بالتعاقد المباشر عبر وزارة المالية مع الشركات المنتجة وذلك لضمان وصول الاحتياجات الأساسية للمواطنين في الوقت المناسب بالسعر المناسب، وجزم في حديثه لـ(الإنتباهة) بأن المنهج الذي اتبعته وزارة المالية وهو التخلي عن استيراد المحروقات سيصب في صالح سماسرة القطاع الخاص وسيؤدي للإضرار بالمواطنين، بيد ان الدولة تحاسب هؤلاء المستوردين من القطاع الخاص بسعر السوق الموازي للدولار اضافة الى 10% وهذا ما جعل الأسعار الحالية للوقود غير معقولة وتؤدي الى التضخم، لافتا الى ان تكلفة المواصلات للموظفين والعمال قد تضاعفت الى أكثر من ١٠ أضعاف ماكانت عليه من قبل، مما أدى الى تآكل رواتبهم في حدود المواصلات فقط، بل هنالك من اصبح تكلفة المواصلات في الشهر تصل الى أعلى من رواتبهم، ومن ناحية اخرى فقد ارتفعت تكلفة نقل السلع بصورة كبيرة، مما اسهم في حدوث ارتفاع جديد وكبير في اسعار كل السلع، مؤكدا بأن السياسة المتبعة في مجال المحروقات هي سياسة خاطئة، لافتا الى أن السياسة السليمة هي ان تعمل الدولة على تنفيذ حزمة من الإصلاحات تؤدي لتوفير العملات الأجنبية بما يكفي الواردات مما يؤدي الى تقوية الجنيه السوداني ويمكن الدولة من استيراد المحروقات والقمح والأدوية وتوفيرها للمواطنين بأسعار معقولة، بيد أنه نبه الى ان هذه الحزمة من القرارات قد تم طرحها منذ ديسمبر ٢٠١٩، والتي تتمثل في سيطرة الحكومة على صادرات الذهب لتوفير العملات الحرة بخزينة الدولة، علاوة على إنشاء بورصة الذهب والمحاصيل الزراعية وذلك بغرض السيطرة على حصيلة الصادر، اضافة لإرجاع دور الشركات المساهمة العامة المتمثلة في شركة الصمغ العربي، وشركة الحبوب الزيتية، وشركة الاقطان، وشركة الماشية واللحوم لتولي الصادرات وضمان توريد حصائل الصادر في القنوات الرسمية .
وطالب حسين بوضع خطة لجذب مدخرات المغتربين، مشيرا الى ان أثيوبيا تكسب مبلغ خمسة مليارات دولار سنويا من عائدات تحويلات المغتربين، وكذلك مصر التي تكسب ثمانية مليارات دولار سنويا ايضا، وابدى استياءه عن عجز البلاد من وضع الخطة الصحيحة لجذب مدخرات المغتربين بالرغم من انهم بادروا بأنفسهم بطرح ما أسموه بمبادرات داعمي البنك المركزي بالوديعة الدولارية، لافتا الى ان تلك السياسات التي تم طرحها سابقا ومازالت هي التي ستؤدي الى تقوية الجنيه السوداني والى توفير العملة الصعبة، علاوة على إنهاء المضاربات في السوق الموازي التي تعمل على رفع سعر الدولار بصورة غير موضوعية وأوضح انه في حال تنفيذ هذه القرارات تستطيع الدولة أن تقوم على دورها على أكمل وجه ويتم فتح الباب أمام إصلاح الوضع الاقتصادي ككل .
الانتباهة