يعتبر جهاز الأمن من أكّثر الأجهزة غموضاً في ظل حقبة الإنقاذ، إذ إنه شكّل آلية رعب في صميم الدولة، فالشعب يخشاه والسياسين يرهبونه، هذا الجهاز يحوي العديد من الوحدات الرئيسية – كالامن السياسي، والإقتصادي والوحدات السرية كالامن الشعبي والطلابي ، ومما جعل الجهاز سيئ السُّمعة هي الممارسات التي تبدر منه في عمليات الإعتقالات التعسفية واشكال التعذيب المختلفة، والتي تحدد قوة الجهاز المفرطة تجاه الشعب بصورة غير إنسانية البتةً، الجهاز صار منظومة لها الحِس الأمني في نطاق أوسع جغرافياً، تعدد المكاتب من رئيسية وسـرية حتي اصبحت هذه المنظومة الأمنية لها السيطرة علي عصـب الحياة كالاعلام والإقتصاد وحتي المؤسسات العامة والخاصة .
جهاز الامن كان القاعدة التي يستند عليهـا نظام الإنقاذ كلياً، لهذا اصبح الجهاز ليس جهاز دولة ؛وإنّما اصبح جهاز للعصابات تستخدمه وفق افكارها الدموية ، ومما يجعل هذا الحهاز مصدر رعب لكل من يقف ضد النظام الذي يحميه، واصبحت ايدي الجهاز مطلقة تماماً في تنفيذ ما تراه مناسبـاً.
ومن رجال هذه المنظومة الأمنية الغامضة المهندس صلاح قوش، رجل له كاريزما سياسية وعين امنية ثاقبة، كان سنداً للنظام عند توليه رئاسة الجهاز، واحدث تطوراً في تلك المنظومة مع تعاونه مع المخابرات الامريكيـة، لعب قوش دور البطاقات العامة مع الغرب، وله دور في حروب المكافحة والإرهاب ،هذه التربية الاجنبية لقوش هي صناعة رجل يخدم الغرب، نجح قوش في تطوير المنظومة الأمنية لتعاونة مع الغرب، وبهذا اصبح الجهاز اكثر فتكاً واختراقاً للمعارضة داخلياً وخارجياً وحتي اصبح التجسس يدخل هياكل النظام نفسه لتقصى الاعداء الخفيين ،وإنّ السلطة المطلقة التي يمتلكها الجهاز جعلته اكثر خطراً ، وهذه المنظومة هي التي اصبحت جدار الحماية للإنقاذ ..
لعب قوش خارج السرب للنظام عندما علم بأن النظام انهار، و نفذ محاولة انقلابية لتحديث النظام ولكنها فشلت واصبح قوش خارج السفينة ،الا انه يعلم مفاصلها والعمق الذي تبحر فيه ، صلاح قوش رجل له اليد في كل شئ فهو يعلم حتي اسرار وخصوصيات رموز النظام، إنه( الكنترول ) و رجل مخابرات مزدوج.
بعد خروجه من المعتقل خرج هذا الهدهد الي المهد الذي تربي فيه (الغرب) ،المهد الذي علّمه ذلك ، وما أن حدث فراق في النظام واصبحت النخبة الإنقاذية في صراع داخلي وخارجي ودفع الوطن فاتورة تلك السياسات الخبيثة سياسياً واقتصادياً، حتي ملّ الناس الحياة.
وفي في اخر عام الفين وثمانية عشــر ،انفجــرت اعظم ثورة -ثورة ديسمبـر المجيدة، هذه الثورة قضت علي مضاجع السلطة الهشّة واصبحت للثورة خطوط عميقة كما كان النظام عميق، واستمرت الثورة رغم القتل والإعتقال ،كانت اردة الشعب اقوي .
في ساعة الصفـر التي حددها تجمع المهنيين -ستة ابريل ،، لحظة ميلاد التغيير الذي كان يعاني ثلاثين عاماً في رحم الإنقاذ، عـزم الشعب فحقق ذلك وصنع مليونية ابريل التي ستظل في ذاكرة الأحرار، ولكن رغم فرحة الشعب هنالك خطوط عاتمة في آفق التغيير ،و استفهامات عميقة، لماذا سقط النظام سريعاً ….؟؟
وكيف اختفت رموز النظام من المسرح السياسي …..؟؟
الامر ابعد من لغة الشارع وخيوطه تمتد خارج جغرافيـا الوطن، التغيير لم يبدأ ولكنه بدأ في تحديد خرائطه سياسياً وجغرافياً، ويتجاهل الناس دور المنظومة ورأسها (صلاح قوش) في خيوط التغيير السرية التي دارت بعد الحادي عشر من ابريـل وهي خطط عالية الدقة مما يجعل مسألة التغيير هي هندسة خارجية وأداة داخلية متمثلة في الحرك الشعبي، وهذا ما يجعل مستقبل الثورة في خطر حادق، الخطر الذي تلعب له جهات خفية، حتي يصبح السودان بؤرة صراع إقليمي بدل دولة إقليمية عظيمة لها وزنها في الجغرافيا السياسية.
و القوة التي صنعت قوش هي التي تتحكم فيما يحدث في المنطقة وخصوصاً الســـــودان، فهذا الهدهد يغرد خارج احضان الوطن، وكل ذلك الصراع والفراغ السياسي والشلل الإقتصادي نتج عن سحطية السياسيات السابقة وصراعها لاجل مصالح خارجية..
ما الذي يصنعه قوش الآن ؟ وكيف اخفى نفسه ؟ هي نفس المنظومة التي احتضنت النظام السابق هي لها الذراع الاعظم في عملية السقوط؛ انها تصفية حسابات داخل ربان السفينة المتهاوية، خرج الناجون منها وغرق الضحايا لسموم افكارها .
المسرح الآن غير واضح وما تفصل في تغيير اعضاء المجلس ومسلسل الإنقلابات الكرتونية، كل هذه المعطيات تشير بأن الثورة في خطر، وهذا الخطر ربما يعيد الصفوة العسكرية مرة اخري و بصورة اخطر.