ونحن بعد في عمر التاسعة منتصف السبعينات كنا قضي يوم الجمعة في مظهر اجتماعي طفولي لطيف جدا وهو ما كنا نسميه الكرامة او كرامة الجمعة وهي كانت بمثابة وليمة مصغرة كصغر احلامنا ,بعضنا يجلب دقيقا والاخر زيتا او
سكر او غيره من انواع المواد التى تستخدم في صنع الطعام السوداني وكانت فرصة عظيمة للبنات ان يتعلمن فنون الطبخ وادارة المؤن الغذائية وكانت فرصة لنا ان نمارس رجولتنا الباكرة بجلب بعضا من النقود التى نطلبها من
الاهل او نشتري من الدكان ما نشاء او حتى نحتطب من اطراف منازلنا وفي الغالب يكون احتطابنا من اطراف منازلنا ذاتها من عود خرج من ال(صريف) او مجموعة احطاب او قش او شوك خرجت عن زرب المنزل ,وكل ذلك دون ان ننسى
مرافقة الكبار الى المسجد لصلاة الجمعة كاكمال لمظهر الرجولة والتكليف الباكر ,الكبار كانوا يتفاءلون بما نقوم به كونها كرامة او قربان من
اطفال لابد ان يجد قبولا من المولى عز وجل فكانوا يدعمونا ماديا ومعنويا وكان من يأتي لنا بالبصل والسكر وخلافه وهنالك من ينفحنا مالا خفية بل والبعض كانوا يحضرون لنا وجبات جاهزة او شبه جاهزة مساهمة منهم في هذا
الاحتفال الطفولي البرئ ,هل ترى كانت تلك التظاهرة الاسبوعية او الكرامة جزءا من البركة التى انتزعت من هذا البلد الان ؟ وهل كانت جزءا من قبول المولى عز وعلا لاعمال كبارنا وتنزيههم من اكل السحت وسرقة المال العام وغيرها من موبقات زماننا هذا ,وهذا يذكرني بما يقوله اهل ام درمان القدامى من ان الشيخ عوض عمر كان يذهب الى الميدان حيث صلاة الاستسقاء
وهو يحمل شمسيته وهو متأكد من هطول الغيث بعد صلاتهم الاستسقاء وبالطبع التأكد من الاجابة من شيم الصالحين ,ان هذه البلاد عاشت ردحا من الزمان في بركة ما بعدها بركة بفضل الله جل وعلا وصلاح اهلها ولم يكن احد يتبجح
باكل الحرام وارتكاب الموبقات
ثم ماذا بعد؟
مجرد خواطر عن الطفولة ,هي طفولتنا فكيف كانت حياة كبارا وكيف كانت حياة اولي الامر منا وكيف كانت تدار الامور وكيف كان الناس يعيشون وكيف كانت المحافظة على المال وكيف وكيف؟هي تساؤلات في وجه من يظنون ان الزمان
يريد هذا ,لا ان الزمان هو هو او كما يقول المثل الصيني انت لا تنظر الى النهر مرتين ,اي ان المتغيرات الزمانية والمكانية ما كان لها ان تغير في طبيعة البشر واخلاقهم وما يدينون به من خلق ومثل ,لقد استدار الزمان دورته وجاء ليجد الناس وقد تخلقوا باخلاق غريبة واهملوا شأن النشء الذي بات لا يعرف قيمة العمل الجماعي او كرامة البليلة ,نعم حتى في صلاة الصبح
تجد فتيانا او حتى اطفالا ولكنا لا نريدهم في المساجد فقط بل في سوح العمل الجماعي حتى لا ينشأ جيل لا يعرف هذه القيمة