مؤتمر أصدقاء السودان او شركاء السودان او مؤتمر المانحين، سمه ما شئت والذي انعقد في برلين بألمانيا عبر تقنية الفيديو كونفرنس خطوة في اتجاه بناء الدولة المدنية وإيقاف تدهور الاقتصاد، وكما يقال بأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وقبل كل شيئ يجب التسليم بأن حكومة ثورة ديسمبر المجيدة هذه ورثت نظاماً مطمحلاً متهالكًا وتركة ثقيلة من الأزمات التي لها إسقاطاتها الداخلية والخاجية وقضايا معقدة أدخلت البلاد في عزلة دولية يحتاج الخروج منها الى وقت وصبر ومثابرة، وأي مبادرة دولية لدعم حكومة الثورة هي ضوء في بداية النفق.
السودان يحتاج إلى هذا المؤتمر في هذا التوقيت في ظل جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على الركود الاقتصادي والتحديات التي تواجه الحكومة في تأخير إنجاز ملف السلام وإكمال هياكل السلطة الانتقالية وتشكيل المجالس التشريعية وتعيين الولاة وتذبذب الثقة في الحكومة ووصمها الدائم بالضعف والفشل، وعلينا ان ننظر الى هذا المؤتمر من قبيل إنهاء العزلة الدولية التي استمرت ثلاثة عقود وعودة السودان وارتباطه بالمجتمع الدولي.
جمع المؤتمر نحو خمسة مليارات دولار لدعم الحكومة الانتقالية وهناك بعض الأقلام التي تتبربص بالحكومة وتبخس من صنيعة العمل وقلة المبلغ المرصود وتصفه بأنه مثل (كشف الزواج الذي لا يغطي تكلفة المناسبة)، ونقول لهم موتوا بغيظكم وأقعدوا مع الخالفين، وكما أسلفنا فإن البلاد تحتاج الى وقت وصبر لانتشالها من كبوتها وإخراجها من دائرة الفقر المدقع ويجب الالتفاف حول هذه الحكومة التي أتت على أكتاف الشهداء ودعمها لإقرار أليات الإصلاح ووضع لبنات الدولة المدنية وترسيخ الديمقراطية.
الذين يتخوفون من إهدار هذا المبلغ كما كان يفعل النظام البائد يجب ان يعلموا ان الاوربيين أحرص الأمم على متابعة صرف تعهداتهم والتي يمنحون غالبها في شكل مشروعات وليس (كاش) كما يظن الناس وستوظف للإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد الكلي ودعم الأسر المحتاجة عن طريق المظلة القومية لأنه شرط أساسي لبدء إعفاء وجدولة ديون السودان علاوة على تمويل الأنشطة والمشروعات التنموية.
صحيح ان الدول المانحة لم تف بتعهداتها في فترة اتفاقية نيفاشا والاستفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان وكفت يدها بعد ان أكملت الدعومات اللوجستية ودفعت ربع المبلغ المرصود لكنها تخلت عن ذلك بعد إخلال النظام السابق ببعض البنود التي اشترطتها.
إننا نعتبر هذا المؤتمر؛ مشروع مارشال السودان، ذلك المشروع الذي أقره وزير خارجية الولايات المتحدة جورج مارشال لإعادة إعمار اقتصاد أوروبا الذي تضرر كثيرًا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بسبب إفرازات الحرب والنزاعات وتوقف عجلة الإنتاج، وكان المشروع أيضاً يهدف الي إعادة إدماج أوروبا الغربية في الاقتصاد العالمي، دعمت الولايات المتحدة دول أوروبا الغربية بملايين الدولارات فاستعادت اقتصادياتها عافيتها وازدهرت ووصلت الي ماهي عليه الأن، بفضل ذلك المشروع، ونحن نعوّل على الأصدقاء والشركاء لمساعدتنا في إعمار بلادنا ودفع عجلة تنميتها بعد ان انهكتها الحروب التي خاضتها طوال الثلاثين سنة الماضية ضد جيرانها وكذلك الحروب الأهلية التي دفع فاتورتها الباهظة المواطن والوطن الجريح .
550