
لم تنطف لوعتي مذ غادرنا في حادث حركة أليم جارنا شبل القرآن عبدالرحمن عبدالعظيم ، الذي لا أزال أبكيه منذ أن رحل عن دنيانا فأحال نهارها إلى ليل حالك السواد.
لهفي على ذلك الحافظ لكتاب الله ، ابن الخمسة عشر عاماً الذي أضفى غيابه على حياتنا مسحة حزن عميق لا يكاد يزول أو يخبو .. وجوم غريب وحزن دفين عم حي الواحة بكوبر بعد وفاته وفرض نفسه بقوة وقسوة على حياة أنداده الذين أتخذوه مثلاً أعلى وقدوة صالحة ، يسعون للتخلق بخلقه وسلوكه القرآني الفريد ، فقد كان لطيفاً وودوداً ومؤثراً على الجميع ، تعلوه إبتسامة لا تكاد تفارق محياه ، ويسمه سلوك رفيع يأسر كل المحيطين به ، فقد منح عبد الرحمن في عمره الصغير من الصفات الشخصية ما يندر أن يتوافر في شخص واحد.
دخل الثانوي بمجموع (275) درجة – أقل بخمس درجات من الدرجة النهائية – وواصل تميزه الأكاديمي بعد ذلك مبشراً بمستقبل باهر كان جميع من عرفوه ينتظرونه ليكون نجماً ساطعاً في سماء السودان ، ولكن هل نملك غير التسليم المطلق والرضا الكامل بقضاء الله وقدره ، والذي نوقن أننا لا نفقه من أسراره وخباياه أكثر مما فقه نبي الله موسى وهو يجادل باستنكار وغضب ذلك الرجل الصالح (الخضر) :(أَخَرَقتَهَا لِتُغرِقَ أَهلَهَا لَقَد جِئتَ شيئاً إِمرا) .. فقد دهشنا لمغادرة ذلك الفتى القرآني بذات دهشة نبي الله وكليمه موسى ، وبذات دهشتنا عندما فجعنا بالرحيل المفاجيء للعالم الرباني الشاب محمد سيد حاج ، رحمه الله ، في حادث حركة شبيه بحادث الحركة الذي أودى بحياة شبل القرآن. صلى بنا عبد الرحمن التراويح في المسجد المجاور لسينما كوبر بتلاوته الندية رغم وجود عدد من الشيوخ الذين قدموه لتفرده حفظاً وتجويداً وصوتاً وترتيلاً فيا حسرتاه.
أقول لوالده المكلوم جارنا الحبيب عبدالعظيم ولوالدته الصابرة المحتسبة : لقد رأيت وسمعت عجباً عن صبركما على وحيدكما النابغة ، فوالله وتالله لن يبدلكما ربكما إلا خيراً في هذه الدنيا والآخرة جراء صبركما وشقيقاته اللائي أشبهنكما في ذلكم الصبر الأيوبي العجيب!
فذلك السلوك الرباني والصبر الجميل يليق بك أخي المتبتل وحمامة المسجد عبدالعظيم.
لقد مررت بتجربة شخصية شبيهة قبل نحو عقدين من الزمان ورغم تجلدي فأني أشهد بأني لم أبلغ صبرك وزوجك المصون ، رغم أني لم أكن لأنكر أي جزع على ذلك الفتى الفريد فعلى مثله فلتبك البواكي.
صدقوني أيها الإخوة أني كلما أتصل بأي من أطفالي الذين أحبوه وصادقوه ، تعيدني صورته المثبتة على بروفايل هواتفهم إلى حالة الوجد التي تذكرني بوجهه الملائكي الصبوح ، ذلك أنهم بكوه بحسرة لم تنطف جذوتها حتى اليوم ، كما لم يبكوا أقرب الأقربين من أهليهم.
قابلني قبل أيام قليلة من وفاته وكنا – أنا وهو – في طريقنا إلى المسجد فقلت له يا عبدالرحمن بالله أعمل درس قرآني يومي لأبناء الحي عقب صلاة المغرب وبعد الصلاة علمت من أحد أبنائي أنه طرح عليهم المبادرة التي أتفقوا على تنظيمها.
إني لأدعو المحسنين ليسهموا في مشروع السقيا الذي أبتدرته لجنة من الثقات كصدقة جارية لشبل القرآن ويسرني أن أنشر رقم الحساب المصرفي على بنك الخرطوم : 2253130
أسال الله لشبل القرآن عبدالرحمن الفردوس الأعلى كما أسأله تعالى أن يجمع والديه الصابرين وأخواته وكل من أحبه معه في أعلى عليين إخواناً على سرر متقابلين.
الانتباهة