الاخبار

قبة المهدي.. قصفها الإنجليز واحتضنت مراقد الأئمة

265views

تبرز “قبة الإمام المهدي” في أم درمان العاصمة التاريخية للسودان بوصفها صرحا عريقا يحكي حقبة مهمة في تاريخ هذا البلد، الذي نال استقلاله في العام 1956 بعد أن نالت الدولة المهدية التي حاربت المستعمر القدح المعلى في المنازلة بقوة السلاح.

ورغم أن القبة تمثل أحد المعالم البارزة في مدينة أم درمان ولا تخطئها عين المتوغل في أحيائها القديمة، فإن وفاة زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار الصادق المهدي ودفنه فيها أعاد إليها ذاك الألق القديم بوصفها مكانا دفن فيه قائد الثورة المهدية والأب الروحي لها الإمام محمد أحمد المهدي، الجد الأكبر للصادق المهدي.

وتقول كتب التاريخ إن الإمام المهدي خرج بعد تحرير الخرطوم عام 1885 في جماعة من أصحابه على ظهر جمل سار به إلى أن وصل هذا الموقع في أم درمان، فبنى حجرة صغيرة لمسكنه ومكان تعبده تيمنا بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وعندما توفي الإمام في أواخر عام 1885 دُفن في الحجرة ذاتها، ليتم بعد ذلك تشييد القبة بيد أنصار المهدي على طراز القباب المعروفة في السودان.

ويقول البروفيسور المعتصم أحمد الحاج مدير مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بجامعة أم درمان الأهلية للجزيرة نت، إنه بعد أن شيد الخليفة عبد الله قبة المهدي بنحو 14 عاما بدأت الحملة البريطانية على السودان في العام 1897 بقيادة اللورد هربرت كتشنر إلى أن وصلت مشارف أم درمان، حيث دارت المعركة الكبرى في الثاني من سبتمبر1898 بقصف القبة من جهة النهر لهدم رمزية الدولة المهدية.

وظلت القبة مهدمة من أعلاها لسنوات طويلة حتى تولى السيد عبد الرحمن المهدي إعادة تشييدها في العام 1948 وفقا للطراز الحالي، ووُضع تابوت للإمام المهدي، وأقيم فناء واسع حولها، فصارت قبلة للزوار والمريدين.

مراقد الأئمة

ويشير البروفيسور المعتصم أحمد الحاج إلى أن القبة تضم إلى جانب المهدي الكبير، مرقد الإمام الصديق المهدي (والد الصادق) المتوفى في العام 1961، والإمام عبد الرحمن المهدي المتوفى في العام 1957، والإمام الهادي المهدي الذي نقل رفاته إلى القبة في العام 1986 بعد اغتياله في منطقة الكرمك حين كان في طريقه إلى إثيوبيا على يد قوات الرئيس السابق جعفر نميري في سياق أحداث الجزيرة آبا.

ويقول الباحث إنه بعد الإطاحة بحكم نميري في انتفاضة أبريل/نيسان 1986 أحضر رفاته وجرت له مراسم تشييع رسمية ودفن في القبة.

أما الفناء الخارجي للقبة تواثقت الأسرة على أن يكون مرقدا لقيادات حزب الأمة، فدفن فيه صلاح الصديق المهدي الذي توفي في مارس/آذار 1986، وعمر نور الدائم في أكتوبر2003، وصلاح عبد السلام الخليفة المتوفى في يوليو 2006.

وعندما توفي الأمين العام السابق لحزب الأمة عبد النبي علي أحمد قبل سنوات عدة، ثار جدل واسع وسط الأسرة حين عارض بعضهم دفنه في الفناء باعتباره ليس من آل المهدي رغم المنصب الرفيع الذي كان يشغله، وبرزت حينها السيدة فاطمة المهدي بوصفها أبرز الأصوات المعارضة لذلك.
اعلان

الملجأ في الشدائد
ويؤكد الجميل الفاضل الصحفي والمحلل السياسي المقرب من حزب الأمة للجزيرة نت، أن رمزية المكان تتوزع بين 3 أجزاء هي المسجد ومراقد الأئمة والفناء الخارجي للقبة.

فساحة القبة -كما يقول- شهدت توقيع ميثاق الانتفاضة في العام 1986، كما وقع فيها خلال أبريل/نيسان من العام ذاته ميثاق التجمع النقابي، وعقدت فيها العديد من الاجتماعات التحضيرية للانتفاضة التي أطاحت بحكم الرئيس جعفر نميري يوم 6 أبريل 1986.

ويخلص إلى أن تلك الساحة كانت بمثابة “المكان الذي يلجأ إليه الناس عندما تشتد أمور السياسة وتستحكم حلقاتها”.

ويروي الفاضل كيف أن ميدان القبة احتضن قبل فترة وجيزة مناسبة جماهيرية ذات رمزية كبيرة حين عاد الإمام الراحل الصادق المهدي إلى البلاد يوم 19 ديسمبر 2018، وتصادف ذلك مع انطلاق شرارة الثورة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير في عطبرة، ولحكمة ما رأت اللجنة المنظمة لاستقباله أن يكون اللقاء الجماهيري في ساحة القبة حيث تعرض لضغط جماهيري كبير وطولب بإعطاء الإشارة لانطلاق الثورة من ذاك المكان، لكن المهدي لم يفعل.

واحتضنت ساحة القبة أيضا لقاءات بقادة أجانب، فحين زار العقيد الراحل معمر القذافي السودان أول مرة بالتزامن مع تقلّد الصادق المهدي رئاسة الوزراء، كان اللقاء بينهما في ميدان القبة.

ولمسجد القبة حكايات لا تنتهي، حيث تم اتخاذه مكانا لتصفية خصومات بين آل المهدي، كان أبرزها قرار والي الخرطوم الأسبق مجذوب الخليفة الذي منع هيئة شؤون الأنصار من استخدامه منبرا وخصصه للتيار الآخر من الأسرة الذي كان ينازع الصادق المهدي في إمامة الأنصار بقيادة أحمد المهدي، وهو ما دفع بالهيئة لتحويل الصلوات إلى مسجد ودنوباوي.

تواصل الأجيال
ويعتقد المعتصم أحمد الحاج أن مراقد الأئمة الأربعة في القبة تمثل تواصلا للأجيال يعزز من رمزية المكان بوصفه صرحا وطنيا في المقام الأول، لكن الأسرة -كما يقول- ترى فيه أيضا حقا بحكم وجود قيادتها الدينية، وهم كذلك قادة وطنيون لهم إسهامات لا يمكن تجاوزها، وهو ما يعطي للمكان رمزية واضحة من الناحيتين القومية والتاريخية.

ولا يبدو أحمد الحاج ميالا لتصديق ما يثار حول عدم وجود المهدي الأكبر في المرقد الحالي، إذ يقول “السودانيون لا ينبشون القبور” ليعرفوا ما إذا كان موجودا بالفعل، لكنه يشير إلى أن الإنجليز أثاروا الأمر في العام 1898 حين تحدثت بعض الصحف المعارضة للحملة البريطانية على السودان عن أن رأس الإمام المهدي حُمل إلى بريطانيا، غير أن ذلك لم يثبت بشكل قاطع.

الخرطوم: مزدلفة عثمان

كوش نيوز

ليصلك كل جديد انضم لقروب الواتس آب

Leave a Response

11 + ستة =