السلام هذه الكلمة التي مثلت احد أضلاع مثلث شعار الثورة ( حرية ، سلام ، وعدالة ) وأصبحت احد القيم والمبادئ والمطالب التي سعت اليها جماهير المواطنين من اجل تحقيقها. السلام الذي ظل املا يداعب خيال الكثيرين المهجرين واللاجئين والنازحين وساكني معسكرات النزوح، وقيادة الدولة وقيادات الكفاح المسلح، بل أي مواطن في البلاد ظل مؤرقا بقضية السلام وتحقيق الاستقرار في فيه، لان الجميع بات يعلم ارتباط التنمية والازدهار بالامن والاستقرار، وان الحرب ليس لها معنى سوى الدمار والخراب وايقاف عجلة التنمية، بل وتدمير ماهو قائم من خدمات . الحكومة لم تتاخر عن مطالب الشعب بل وضعت تحقيق السلام ضمن الستة شهور الاولى، لأهميته في مسيرة التنمية بالدولة، وقد قبلت الوساطة لدولة الجنوب وبادرت بالموافقة علي منبر جوبا، وكلفت نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق اول محمد حمدان دقلو حميدتي قائد قوات الدعم السريع وهي اشارة لماحة الي جدية الحكومة في ارادة السلام ان تبعث القوات المسلحة السودانية باقوى قيادات اسلحتها ليكون رئيسا لوفدها المفاوض حتى تبني جسور الثقة فيما بينها وبين حركات الكفاح المسلح واعطائها مزيد من الطمأنينة الي قدرة الحكومة علي الوفاء بالتزاماتها تجاه ما يتم الاتفاق عليه من بنود ، فكان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق اول محمد حمدان دقلو حميدتي هو الشخصية المناسبة لذلك بحكم مايمثله من ثقل داخل المنظومة الحاكمة والمكون العسكري بحيث ذلك اعطى الانطباع الايجابي لهذه الحركات بجدية الحكومة في اختيارها لهذه الشخصية القيادية التي يعتبر لها وزنها ورمزيتها داخل القوات المسلحة السودانية. هذا بخلاف ما بذله من جهود من خلال توظيف كامل ولا علاقاته وقدراته مع دول الجوار والمجاميع السكانية في مناطق النزاع ومعسكرات النزوح والادارات الاهلية و المجتمع المدني لخلق اجواء ايجابية داعمة ومساهمة في تحقيق السلام بالبلاد . وهي تعكس حقيقة صواب الاختيار المناسب لرئاسة الوفد المفاوض بدليل تصريحات قيادات الحركات المسلحة نفسها بذلك ، وليس اخرها تصريح القائد عبد الواحد محمد نور بضرورة جلوسه مع الفريق اول حميدتي من اجل التفاوض حول السلام . ولكن مع كل العوامل المساعدة لانجاح عملية السلام وعلي الرغم من تحديد الفترة التي يراها البعض غير كافية ضمن المصفوفة الزمنية للحكومة الانتقالية لتحقيق السلام ، الا ان هنالك عوائق حقيقية يمكن ان تمثل عقبة امام الوصول لاتفاق منها الاصرار الكبير للحركة الشعبية شمال جناح الحلو بوضع العلمانية احد بنود التفاوض التي يجب مناقشتها علي الرغم من ان ذلك ربما لايقع تحت اختصاص الوفد المفاوض ولا حتى الحكومة الانتقالية نفسها كما اشار الي ذلك الفصيل الاخر للحركة الشعبية جناح عقار في تصريحات جريئة للقائد مالك عقار وهي تصريحات لها وجاهتها وموضوعيتها بعيدا عما يفتكره البعض انها من باب الكيد والخصومة السياسية الناتجة عن التنافس بين الفصيلين . واعتقد انها تصريحات تبين مدي مايتحلى به عقار من نضج سياسي ايضا حينما يقول ان الاصرار علي شرط العلمانية او الانفصال فيه ظلم علي المنطقتين نفسهما ، هذا بغض النظر عن دفوعاته المنطقية حول اهمية ذلك لكل الشعب السوداني وحكمه بعد ذلك بما لا اختلف معه فيه ان الشعب لا يرفض العلمانية خيارا للحكم في اطار مفهوم العلمانية غير الاقصائية . الان مسار الشرق ايضا مواجه ببعض العوائق سواء كان من قبل بعض الفصائل او من بعض المشاكل التي يتم افتعالها لزرع النزاع بين ابناء المنطقة كما حدث في الجنينة قبل ايام . هذه الاحداث المتعددة في الشرق او الغرب من المفترض ان تكون دليلا علي الاخطار التي تواجه السلام وان هنالك الكثير من الجهات التي تعمل لاستهدافه واستهداف البلاد واجهاض الثورة وما انتجته من واقع جديد يمثل الامل الذي انتظره اهل السودان ، ويجب ان تكون حافزا لجميع الاطراف المتفاوضة للسعي الى انجاح عملية التفاوض والوصول الي اتفاق سلام نهائي يرضي جميع الاطراف بمعالجة جذور الصراع وينهيه الي الابد .