انّ الحديث عن السياسة أصبح بمثابة صرخة طفل، لا يحس بها غير أصحاب القضية والروح الإنسانية، والأوضاع التي تمر بها البلاد تنذر بمخاطر وسيناريوهات قد تؤدي بتقسيم البلاد في حرب عشوائية ، وهنالك جهات خارجية لا تريد استقرار السودان؛ لأن الأستقرار يعني القوة، والقوة تعني سيادة الدولة وهيبة القانون، وكي نبني الوطن فلابد من تحقيق إستقرار إقتصادي وسياسي وتعاون اجتماعي……الخ. ورغم إنني أود الإبتعاد عن مسرح السياسة الا ان المتغييرات تجعلني أعود للكتابة، وفي اعتقادي ان الأمور اصبحت اكبر من صراع سياسي وديني، ولكن الحقيقة الراسخة هي انها معركة بين الحق والباطل، كثر المنافقين في المجتمع وفي السياسة وفي المنابر ولكن من ينصر الحق ينصره الله . وإذا اسقطنا النظر في المشهد السياسي، نجده مظلم ومتذتذب تماماً وتعدد المحاور التي تحد من تعتيم الرؤية الحقيقية للواقع المؤسف الذي تعيشه البلاد بعد ميلاد الثورة التي لا تزال ناقصة امام التحديات والصعوبات ،وبهذا قد أتطرق لبعض المحاور التي تشتعل الآن في كينونة المجتمع والساحة السياسية بصورة عامة؛ اولا
محور السلام، هذا المحور من اهم مقومات نجاح الثورة ،واذ امعنا النظر في خارطة السّلام نجد الرؤية فيها نوع من الضبابية وعدم الثقة من قبل الحركات الكفاح المسلح والتي تنظر لخصم بعد التغيير الناقصة، فالحسابات السياسية معقدة لفهم الواقع وما يشهده من عدم استقرار بصفة عامة، الإنحناء الذي يبديه مجلس السيادة بشقيه (المدني والعسكـري) والإنحناء هذا يضعف مسار التغيير ويترك ثغرات لأعداء التغيير ، وكلما تآخر قطار السلام نفذ رصيد الثورة واصبحت الدولة في خطر، الخطر الذي يعطي الضوء الأخضر لعودة العسكر بلغة اخري اكثر استبداداً وقهراً بتسريح القوة، تعجيل السلام يضاعف رصيد الثورة ويوضح اركانها وتعزيز قوتها، لهذا نجد الخطأ الذي تعجلت به الحركة الشعبية بطرح دولة علمانية، هذا الأمر فيه نوع من التجهيل السياسي والتعجيل بطرح ذاتي للحركة علي مجمع الشعب يعد فيه نوع من الديكتاتورية السياسية والإجتماعية بأن الحركة الشعبية تفرض برامجها بوسائل الضغط مع القوي المحاورة معها، وهنا تبقي المسائل عاتمة لمجرد هذا الطرح خارج ارادة الشعب، وكلنا يعلم بأن هذه الثورة خرجت من رحم الشعب ويجب أن تبلي رغبات وتطلعات الشعب، وأما مسألة التصفيات السياسية والتسابق نحو السلطة يعد بمثابة الخيانة العُظمي للثورة والوطن معاً، عليه إذاً أن تساق عملية السلام بخطوط ترضي الشعب وليس المطامع السياسية الساقطة ،والسلام الحقيقي هو الذي يرضي الشعب بصورة عامة ….
ثانيا ؛ المحور الأمني، منذ اندلاع الثورة مازالت البوصلة الأمنية منحرفة تماماً والأحداث التي عقبت ذلك الي الآن تبرهن غياب الحس الأمني وعدم فرض هيبة الدولة ،النزاعات في الأطراف والإنفلات الأمني والهلع الذي صاحب معظم الأحداث في العاصمة يدل علي غياب القوة الأمنية، وهذا الغياب يتعبر مهدداً، عندما تعبث بعض العصابات (النيقرز) وفي وسط العاصمة بأمن المواطن ؛فهذا الأمر يدل علي غياب القوة الأمنية أو هنالك جهات تعمل لوجستياً لأثارة الرعب الذي يشتت ويعمل علي تغيير خط الثورة وجعل الثورة في وجه المخاطر حتي يتم إضعافها بعدم الإستقرار الذي يجعل الشعب يبحث عن مظلمة امنية وليس تغييرات جذرية في هيكل الدولة، وانهيار المنظومة سببه الرئيسي النظام البائد، عمل النظام علي انشاء وتربية المكونات العسكرية والأمنية علي عقلية خطيرة ،اعطاء السلطة المطلقة لها، الإمتيازات المادية العالية لها، بث الكراهية العدائية فيها، وزرع الروح القتالية الشريرة فيها، هكذا تمت تصفية المنظومات الأمنية لصالح النظام وليس صالح الدولة، الولاء اصبح لأجل النظام الذي ترضع منه كل هذه القوات حتي اصبحت الآن بعد الثورة تحتاج اعادة تهيئة حتي تعود لوضعها الطيبعي حفظـ حياة المواطن وحمايته وحماية ممتلكاته وحماية الحقوق العامة، هكذا هي القاعدة الأسياسية للمنظومة الأمنية، اذا لم يتم اعادة النظر في المنظومة واعادة تربيتها من جديد وتثقيفها مهنيياً واجتماعياً فلا يمكننا أن نحلم بنعمة الأمن، مازالت السرقات الحرجة علي مستوي الشوارع والمنازل والشركات والتهريب ……..الخ، كل هذه الممارسات هي نتاج للخل الذي يكمن في دوائر المنظومة الأمنية، الأمن يجب يكون ذو صيت وهيبة ورادع قانوي لكل من تسؤلت له نفسه بالجرم ….الخلخل الثغرات والركوض في الحس والنشاط الأمني يتعبر المهدد للحياة وللدولة بصورة خاصة، وفي ظل هذا الوضع بعد الثورة تعتبر القوة الأمنية هي الأميتر لقراءة ناحجة الثورة وكشف اعداءها وتنظيف الطريق نحو تحقيق اهدافها علي ارض الواقـــــــع..
ثالثا؛ المحور الإقتصادي الإقتصاد وهو عصب الحياة انهياره يعني انهيار كل شئ، في اعتقادي لا تزال الظروف الإقتصادية تزيد سوءاً وهذا مؤشر خطير جداً له عواقب كثيرة علي المجتمع والراهن السياسي الملتهب جداً لما يدور من صراع حاد بين المكونات السياسية، القوة الإقتصادية خارج سيطرة الدولة، نفس القوة الرأسمالية الإحتكارية التي نشأت في ظل النظام البائد هي الآن المهدد الرئيسي للإقتصاد، عمل النظام البائد علي تحرير السوق وانشاء المؤسسات الخاصة ، واصبح للدولة اي الشعب بأنه مجرد خادم يخدم السلطة بصورة مباشرة او غير مباشرة ، وايضاً انشاء مؤسسات خاصة تابعة للمنظومات الامنية والعسكرية وهذا يجعل الشعب في خط المعاناة، لم تكن الإستثمارات في عهد النظام البائد تصب في مصلحة الشعب بل كانت عمليات استنزاف للموارد العامة لجهات خاصة تتصرف فيها بطرق غير مشروعة، وبعد الثورة لم يتم النظر في منظومة الإقتصادية واعادة بناءها، لا يمكن أن يحدث اصلاح اقتصادية اذا لم يتم السيطرة علي المافيات الاقتصادية ومكافحة التهريب واغلاق الحدود وصياغة قوانين رداعة لتجار العملة وغيرهم من الطفيليين اقتصادياً، لا يزال الاقتصاد حتي الآن في وضع الشلل، لان جذور الازمة موجودة وهي تعمل ، يجب ان تعاد هيكلة الدولة بصورة عامة وتحديد معيار الكفاءة لكل منصب، حزينة الدولة فارغة والشعب ليس مهيئاً للإنتاج، كيف يمكننا ان نخرج من هذه الأزمات اذا لم تيم استصئال الأمراض السرطانية التي تهدد اقتصادنا حتي يتعافي بعد ذلك..