لم يعد الشك يساور كل مراقب حصيف للوضع السياسي السوداني أن الحزب الشيوعي السوداني يتحكم بشكل خفي في حكومة قوى الحرية والتغيير التي يرأسها عبد الله حمدوك وهو عضو سابق في الحزب الشيوعي كما أعلن ذلك صديق يوسف عضو اللجنة المركزية للحزب والقيادي البارز بتحالف قوة الحرية والتغيير. وما لم يعلنه الحزب أن حمدوك حاليا عضو ظل في الحزب الشيوعي ويأتمر بأمره بيد أن التكتيك التقليدي الذي يتأبطه الحزب تاريخيا هو التخفي والعمل السري وهو الذي اقتضى إخفاء التزام حمدوك وانتمائه العضوي للحزب. ولعل إخفاء علاقة الحزب الشيوعي بحمدوك وحكومته يرجع لسببين رئيسيين: أولهما أن الحزب يناصب العداء ما يعرف بالمكون العسكري وهي المؤسسات العسكرية كالجيش وقوات الدعم السريع وجهاز الأمن ولا يريد مواجهتها بشكل مباشر في الوقت الحالي على الأقل إلا من بعض التناوش الإعلامي إذ أنها تتحكم في مفاصل القوة وفي ذات الوقت يحاربها بوسائل وأدوات تعمل على زرع الفتنة بينها حتى تأتي الفرصة المناسبة بعد إكمال تجهيز أذرعه المسلحة فضلا عن زرع كوادره في الأجهزة العسكرية والأمنية حيث ظهرت إعلانات تجنيد جديدة لضباط وضباط الصف. وقد سبق التحقيق مع عضو بارز في اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي بسبب بقضية رفعتها ضده قوات الدعم السريع التي يقودها النائب الأول لمجلس السيادة الجنرال محمد دلقو المشهور بحميدتي. واتهم الحزب الشيوعي قوات الدعم السريع في تصريحات صحفية بارتكاب جرائم في إقليم دارفور وفض الاعتصام في محيط قيادة الجيش رمضان الماضي. والسبب الآخر لتخفي الحزب الشيوعي أن نجاح حكومة حمدوك، وهي حكومة انتقالية قصيرة الأجل، في مهامها لا يبدو نجاحا مأمولا، ولا يرغب الحزب الشيوعي في تحمل فاتورة فشلها أو سقوطها ربما الوشيك. ولذا يتبع الحزب الشيوعي نهجا سياسيا وإعلاميا مزدوجا؛ فهو يبدو حزبا معارضا بينما كوادره تمارس الحكم بل لديه عضوان معروفان في مجلس السيادة الذي يضم المجلس العسكري السابق برئاسة الجنرال عبد الفتاح البرهان. وكان سكرتير الحزب الشيوعي محمد الخطيب قد اعتبر أن حكومة حمدوك الحالية منقوصة المهام ولا تملك ركائز وعناصر القوة التي تدير بها العمل، وقال ما كان لنا في الحزب الشيوعي أن نرضى بقوات الدعم السريع وما كان لنا أن نرضى أن يظل الجيش دون إعادة هيكلته. ومعلوم أن الحزب الشيوعي حزب منبوذ مجتمعيًّا، ولا يملك رصيدًا جماهيريًّا حقيقيًّا. وأكدت كل الانتخابات البرلمانية النزيهة خلال تاريخ السودان السياسي الفقر الجماهيري لهذا الحزب وربما هذا سبب محوري لاعتماده العمل في الخفاء من خلال عدد من الواجهات المهنية ومنظمات المجتمع المدني مثل تجمع المهنيين السودانيين الذي ساهم في تجيير الثورة لصالح قوى اليسار عموما. ولذلك لا يؤمن الحزب الشيوعي بالديمقراطية التعددية ولذلك تظل هياكله الحزبية سرية وغير معلنة حتى في فترات الديمقراطية وارتفعت أصوات من داخل الحزب في مؤتمره الخامس يناير 2009 محتجة على ضعف الديمقراطية الداخلية وبسيادة المركزية المطلقة في إدارة شئون الحزب وحزب هذا حاله في الداخل فكيف مع الآخرين ففاقد الشيء لا يعطيه البتة. ورغم موافقة الحزب الشيوعي المرحلية على ما ترتب من أوضاع سياسية عقب توقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري السابق وقوى الحرية والتغيير التي يمثل فيها الحزب ضلعا مهما، وباعتبار ذلك أفضل المتاح إلا أنه كان يرغب في تكوين مجلس سيادة له سلطات محددة ومحدودة تكبح سلطات العسكر. ولم يخف الحزب امتعاضه من ما أسماه بتآمر قوى دولية وإقليمية فرضت مساومة حول السلطة بإشراك العسكر، وفتحوا الطريق لسيطرة المكون العسكري على مفاصل الدولة. ويرى الحزب الشيوعي أن مكاسبه في الوضع السياسي كانت ضعيفة وكانت المحصلة دون المأمول؛ وذلك بسبب الإفراط في حسن الظن في التحالفات ويقصد شركاءه في الحرية والتغيير وأن ذلك أيضا بسبب تغاضيه عن أخطاء عدم التزامها بالمواثيق. بل شكك الحزب في بيان له في وعي ما أسماه بجماهير الأحزاب التقليدية بما وصفه بالنهج الثوري ويقصد الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية المحافظة مثل حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي، وهذه محاولة تبريرية للعزلة المجتمعية التي يعيشها الحزب بل حتى شكك في عضوية الأحزاب الأخرى التي وصفها بالحديثة مثل حزب المؤتمر السوداني، وقال إنها غير متجانسة الرؤى ومتأرجحة القناعة وتتبع قيادات براغماتية تحمل جلها مشاريع تتعارض مع مشروع التغيير الراديكالي. ويرى فيها أحزابا انتهازية والانتهازية عند الحزب الشيوعي في المفهوم الماركسي هي البرجوازية التي تنكر دور الصراع الطبقي وإنكار دور حزب الطبقة العاملة أي الحزب الشيوعي. ورفض الحزب الشيوعي مطلقا أي عملية ترمي لهيكلة قوى الحرية والتغيير تؤدي إلى قيادة هرمية قد تفقده سيطرته على التحالف، وظل عدد من مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير بينها كتلة “نداء السودان” التي تضم حزب الأمة برئاسة الصادق المهدي، تطالب بضرورة هيكلة التحالف وإيجاد جسم قيادي يتولى عملية اتخاذ القرارات.