المجرة – عبدالقادر حيدر كيف نجح ماسح الاحذية الذي عاني من الفقر والجوع والحرمان في انقاذ البرازيل و تحويلها من دولة علي شفا الانهيار الي دولة تستدين منها المؤسسات الدولية ؟ كيف نقل البرازيل من الفقر والجوع والديون والتخلف الإداري، إلى بلد متقدم ينافس الدول الصناعية؟ قبل ان نستعرض الخطوط العامة للسياسة التي اتبعها “لولا داسيلفا” لابد ان نذكر كيف كان الوضع في البرازيل.. في ثمانينات القرن الماضي عاشت البرازيل حقبة من الظلام الذي كاد ان يعصف بها و يلقي بها في مهب التفتيت السياسي، بلغ بها الحال ان صار سعر صرف الدولار ” 11 الف كروزيرو.” أزمتة اقتصادية عصفت بكل شيء؛ فانخفض سعر العملة، وأغلقت المؤسسات والشركات، وارتفعت معدلات البطالة، أقترضت من صندوق النقد الدولي كخيار وحيد لحل أزمتها فخضعت لحزمة من الشروط المجحفة مقابل قرض بخمسة مليار دولار، ما أدى إلى الانهيار التام، وتسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين، وإلغاء الدعم، واشتعال الأوضاع السياسية. تدهورت الأمور أكثر، وأصبحت البرازيل ..
– الدولة صاحبة اعلي معدلات الهجرة في العالم – الدولة الأكثر فسادا وطردا للمهاجرين. – الدولة الأكبر في معدل الجريمة وتعاطي المخدرات، – صاحبة الدين الاكبر في العالم، الدين العام تضاعف تسع مرات في 12 عاما. – 1% من جملة السكان يحصلون علي 50% من الدخل القومي – هبط ملايين البرازيليين تحت خط الفقر. – انهارت العملة “الدولار وصل إلى 11 ألف كروزيرو”، واعتقد العالم أن البرازيل على شفا الانهيار الأخير والتفكك السياسي. هدد صندوق النقد بإعلان إفلاس البرازيل إذا لم تسدد فوائد القروض، ورفض إقراضها أي مبلغ في نهاية 2002. في العام 2003 تم انتخاب “لولا داسيلفا” صاحب الخلفية االفقيرة الذي عمل ماسحا للأحذية و عاني كل مظاهر الفقر والجوع والحرمان، رئيسا للبلاد فبدأ حزمة اصلاحات وفق برنامج صارم ومدروس بعناية تضمن مجموعة من الخطوات .. وركز علي
– القضاء علي الفساد الذي حاربه بشراسة. – بدأ سياسة تقشف شديدة في المصروفات العامة؟ – عمل على تحفيز قطاعات الإنتاج الكبيرة في الصناعة، التعدين والزراعة. – وضع برنامجا طموحا لتطوير التعليم صبّ فيه جلَّ جهوده. – وجه (0،5%) من الدخل القومي الاجمالي لصالح برنامج مدروس بعناية وضع له بند في الموازنة العامة للدولة اسماه”برنامج الاعانة الاجتماعية المباشرة” يصرف في صورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة، استفادت منه “11” مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلي، بمعدل 735 دولارا للأسرة كمرتب ثابت. – لتمويل برنامج “الاعانة الاجتماعية المباشرة” زاد الضراب علي رجال المال والمستثمرين وقام مقابل ذلك بمنحهم “تسهيلات” كبيرة في الاستثمار وآليات التشغيل وتسيير الأعمال، ومنحهم الأراضي مجانا وسهل الحصول علي التراخيص وإعطاء القروض بفوائد صغيرة. ساعدت إعانات الفقراء في تنشيط وفتح أسواق جديدة ، وزيادة القوة الشرائية لمنتجات رجال الأعمال، فتضاعف حجم مبيعاتهم وبدأ الركود ينفض غباره.
ونيجة الالتزام الصارم و المتابعة الدقيقة واللصيقة لكل ذلك تحولت البرازيل خلال فترة وجيزة علي جميع المستويات لتحقق خلال فترة رئاسيةواحدة لـ”لولا” ما يلي – سددت البرازي كل ديون صندوق النقد الدولي. – عاد مليونا مهاجر الي بلادهم بعد ان تركوها هربا من الفقر والجوع والجريمة. – دخل البلاد “1,5” مليون مستثمر جديد. – 2008 استدان صندوق النقد الدولي من البرازيل مبلغ “14” مليار دولار لمواجهة الازمة الاقتصادية العالمية.– اصبحت البرازيل تنافس في صناعة الطائرات “لاسطول طائرات امبريار البرازيلية الصنع ” الشهير. – دشنت البرازيل اول غواصة نووية بالتعاون مع فرنسا ” خمس دول فقط في العالم تصنع غواصات نووية” . و بحسب الخطط ستقوم في العام الحالي بتدشين غواصتها الثانية علي ان تنتج في 2022 غواصتها النووية الثالثة البرازيلية الخالصة.
في دورة رئاسية واحدة استطاع لولا دا سيلفا ان ينتشل البرازيل من القاع ليحلق بها فوق السحاب فعليا مستندا في ذلك علي العلم والارادة الخالصة والالتزام تجاه قضايا وطنه دون الانحياز لفئة او طائفة او دون تكريس موارد الدولة لجهة ما , لم يفكر في دعم الخبز والوقود ليتاجر بشعار مساندة الفئات الفقيرة بينما فعليا يصب الدعم في جيوب الاغنياء ومافيات الدقيق والبترول ، ليزيد الثري ثراء و يزداد الفقير فقرا وعوزا ومرضا ، بل منح كل الاموال التي كانت تصرف تحت هذه البنود ومنحها لمستحقيها “بعدل ونزاهة” ليفعلوا بها ما يشاؤون، فخلق قوة شرائية ساهمت في فتح أسواق جديدة . الفارق ان البرازيليين كانو علي قلب اصلاح واحد ، لم يكن فيهم من يزايد علي الفقراء ويتاجر باسمهم من اجل مصلحة حزبية او عقائدية ، لم يكن فيهم من يعارض فقط لمجرد المعارضة وحتي يلمع اسمه في الشاشات ، او يعارض من اجل الا يذهب طي النسيان او لتزداد عماراته طولا وسياراته عددا . الفارق في النزاهة السياسية والحس الوطني هو ماجعل برنامج لولا دا سيلفا يصنع دولة عالمية.