
#صالون الريس
نيروبي وساقط القول
د/ أشرف الريس
أعزائي القراء الكرام تحيةً واحترام وبسم الله نبدأ الكلام… لا تزال الأوساط السياسية والشعبية في السودان تغلى كالمرجل رفضًا واستنكارًا لما يُسمى بـ”الدستور الانتقالي” الذي تم توقيعه في العاصمة الكينية نيروبي، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تعدٍّ سافر على سيادة السودان واستهتارٌ بإرادة شعبه. فمنذ الإعلان عن هذه الوثيقة، واجهت موجة عارمة من الرفض الشعبي والسياسي، حيث اعتبرها السودانيون مجرد محاولة لفرض حلول مستوردة لا تمت بصلة إلى الواقع السوداني وتعقيداته.
توقيع في الخارج.. استخفاف بالداخل
لطالما كان الشأن السوداني قضية وطنية لا يمكن حلها إلا من داخل السودان، وبأيدٍ سودانية خالصة. لكن ما جرى في نيروبي يعكس بوضوح كيف أن بعض الأطراف اختارت القفز فوق إرادة الشعب السوداني والتعامل مع قضاياه بمنطق الوصاية الدولية، متجاهلين أن أي حل لا يحظى بتأييد الداخل مصيره الفشل.
فالتوقيع على هذا الدستور خارج السودان لا يمثل فقط انتهاكًا للسيادة الوطنية، بل هو أيضًا تعبير عن انعدام الشرعية لأي طرف يروج له. فمنذ متى تُصاغ دساتير الدول في عواصم أجنبية، بينما شعوبها تُستبعد من المشهد؟!
وبعيدًا عن الشكل، فإن مضمون الدستور الانتقالي في نيروبي جاء هزيلًا ومفككًا، ولم يقدم حلولًا واقعية للأزمة السودانية المستمرة، بل زاد المشهد تعقيدًا. فبدلًا من أن يكون وثيقة جامعة تعبّر عن تطلعات السودانيين، جاء هذا الدستور ليكرس مزيدًا من الاستقطاب والانقسامات، ما يجعل فرص تطبيقه على أرض الواقع شبه معدومة. فكيف لدستور انتقالي توقعه مجموعة لا تمثل ١٪ من الشعب السوداني تقرر فيه علمانية الدولة في بلد تمثل نسبة المسلمين فيه ٩٦٪ فمالكم كيف تحكمون.
كما أن مواده حملت العديد من البنود المبهمة التي تفتح الباب أمام التدخلات الخارجية والوصاية الدولية، وهو ما يرفضه السودانيون جملة وتفصيلًا. فالشعب الذي دفع ثمنًا باهظًا من أجل الاستقلال والسيادة لن يقبل أبدًا أن يُفرض عليه دستور لم يكن طرفًا في صياغته.
منذ لحظة الإعلان عن هذه الوثيقة، توالت ردود الفعل الرافضة لها من مختلف القوى السياسية والمجتمعية. وأجمعت معظم الأحزاب السودانية والكيانات الوطنية على رفض الدستور واعتباره غير شرعي وغير ملزم.
وقد وصفت قوى وطنية عديدة الدستور بأنه “خيانة للثوابت الوطنية”، مؤكدة أن الحل الحقيقي للأزمة السودانية لا يكون عبر الاتفاقيات الموقعة في الخارج، بل عبر حوار داخلي شامل يجمع جميع السودانيين على طاولة واحدة، دون إقصاء أو تدخل أجنبي، وحتى على المستوى الشعبي، قال الشعب كلمته، ولا تجد مجموعة في ” ضرا ” او شباب في نادي او في المقاهي والشوارع الا وقد عبرت عن رفضها لهذا المسعى السافر لتقسيم السودان ووضعه تحت الوصاية لدويلة الشر حيث جاءت رسالة الشارع واضحة: “لا لوصاية نيروبي، لا لحلول مستوردة، لا لأي دستور لا يعبر عن السودانيين”. فقد بات واضحًا أن هذه الوثيقة ليست سوى محاولة لشرعنة مشاريع لا تخدم مصالح السودان، بل تكرس التبعية والإملاءات الخارجية.
بكل المقاييس، فإن ما يسمى بالدستور الانتقالي الموقع في نيروبي قد سقط قبل أن يرى النور. فالشعب السوداني أسقطه بإرادته، ورفضته القوى الوطنية، ولم يجد أي قبول حتى بين الأطراف التي يُفترض أنها معنية به، بل وحتى من شاركوا في هذه المهزلة اختلفوا عليه.
إن هذا الدستور لن يكون سوى ورقة أخرى تُضاف إلى أرشيف المشاريع الفاشلة التي حاولت بعض الجهات فرضها على السودان دون جدوى. فالتاريخ أثبت أن أي حل لا ينبع من إرادة السودانيين أنفسهم محكوم عليه بالفشل، وأن السودان لا يُبنى إلا بسواعد أبنائه، وليس بأجندات تُصاغ في الخارج.
وأقول ختامًا، يبقى السؤال الأهم: هل سيتعظ متحور ” تقدم” المسمى جزافاً ” بتأسيس” الساعي لفرض الوصاية الدولية على السودان من هذا الدرس ويعرفوا حجمهم الطبيعي وانهم غير مقبولين، أم أنهم سيستمرون في تجاهل صوت الشارع السوداني؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة، لكن الأكيد أن السودان سيظل عصيًا على التبعية، وأن إرادة شعبه ستظل هي الحَكَم والفيصل في تقرير مصيره.
#من_اجل_صناعة_مجد_السودان
تحياتي