المقالات

صالون_الريس الحرب العالمية الثالثة تُطبخ على نار هادئة

139views

#صالون_الريس
الحرب العالمية الثالثة تُطبخ على نار هادئة
د/أشرف الريس
٥ / ٥ / ٢٠٢٥

أعزائي القراء الكرام تحيةً واحترام وبسم الله نبدأ الكلام… بينما تنشغل الشعوب بالحروب المشتعلة في الشرق الأوسط وأوروبا، وتتنافس التحالفات العسكرية على النفوذ، فإنّ ما يجري خلف الكواليس لا يقلّ خطورة عمّا يدوي في الميادين. فالعالم اليوم يقف على أعتاب مواجهة غير تقليدية، حرب عالمية ثالثة لا تُخاض بالبنادق فقط، بل بالأكواد الرقمية، وبأنظمة التسوية العابرة للحدود، وبتحالفات اقتصادية تسعى لكسر القطب الأوحد الذي حكم النظام المالي لعقود.

الزلزال المالي الحقيقي بدأ عندما أعلن بنك الشعب الصيني ربط نظام التسوية عبر الحدود لليوان الرقمي مع عشر دول من رابطة آسيان، وست دول من الشرق الأوسط. هذا الإعلان لم يكن مجرد تطور تقني، بل خطوة استراتيجية لإزاحة الدولار الأمريكي عن عرشه كعملة مهيمنة على التجارة العالمية، في لحظة باتت فيها واشنطن تعتمد على العقوبات الاقتصادية كسلاح جيوسياسي.

التسوية الرقمية عبر اليوان، التي تستغرق اليوم 7 ثوانٍ فقط، مقارنة بأيام مع نظام SWIFT، ليست مجرد راحة للمستوردين والمصدرين، بل عملية تفكيك هادئة ولكن جذرية لبنية النظام المالي العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية في بريتون وودز.

في الماضي، كانت الحروب تُخاض للسيطرة على الأراضي، اليوم تُخاض للسيطرة على أنظمة الدفع والاحتياطيات النقدية. الصين لم تُطلق رصاصة واحدة، لكنها أطلقت ما هو أخطر: شبكة مدفوعات رقمية غطّت 200 دولة، وبدأت تستوعب 38% من حجم التجارة العالمية خارج نطاق الدولار.

إن استخدام اليوان الرقمي في تسويات نفطية، وفي مشاريع “الحزام والطريق”، وفي التجارة الأوروبية عبر القطب الشمالي، ليس مجرد ابتكار مالي، بل اختراق استراتيجي يُضعف من قدرة الولايات المتحدة على استخدام الدولار كسلاح سياسي.

في الوقت الذي تتوسع فيه الصين بتقنياتها المالية وتكسب تأييد العشرات من البنوك المركزية، لا تزال واشنطن تناقش ما إذا كانت العملات الرقمية تهدد مكانة الدولار. هذه الفجوة في الفعل ورد الفعل، تُعيد إلى الأذهان ملامح الحرب الباردة، ولكن هذه المرة ليست بين الرأسمالية والشيوعية، بل بين “الهيمنة النقدية القديمة” و”السيادة المالية الرقمية”.

ما نراه اليوم من أزمات متلاحقة في الشرق الأوسط، ومن تصاعد في حدة الصراعات الإقليمية، وحروب بالوكالة لا يمكن فصله عن هذا التحول المالي العميق. فالدول التي تسعى للخروج من عباءة الدولار تواجه ضغوطًا، وملفات ساخنة في أكثر من جبهة. ومن هنا يمكن قراءة الحرب في أوكرانيا، وتوترات بحر الصين الجنوبي، وحتى ما يجري في السودان، كلها تداعيات وحروب بالوكالة جيوسياسية ضمن لعبة أكبر: من يملك مفاتيح الاقتصاد العالمي غدًا؟

الصين وحلفائها لا يسعون فقط إلى تسوية الفواتير باليوان، بل إلى بناء نظام عالمي جديد تكون فيه الهيمنة موزعة، وليست محتكرة. إنها تعيد بناء ما يُعرف بـ”السيادة الاقتصادية” بطريقة تجعل من كل صفقة تجارية خطوة نحو عالم ما بعد الدولار، وعصر ما بعد أمريكا.

وأقول ختاماً إن الحرب العالمية الثالثة لا تُعلن، بل تُصنع. وما يحدث الآن من تفكك للتحالفات النقدية، ومن ثورات تكنولوجية مالية تقودها بكين، يشير بوضوح إلى أن المشهد العالمي يُعاد تشكيله.
إنها حرب لا تُخاض بالمدافع، بل بالمدفوعات.
لا تُطلق فيها الصواريخ، بل تُضغط فيها الأزرار.
ومع كل تحويل رقمي خارج SWIFT، تقترب لحظة الانفجار الكبير.
هل الغرب مستعد للتخلي عن الهيمنة؟ وهل العالم مستعد لدفع ثمن نظام جديد؟
الأسئلة مفتوحة، والإجابات تُرسم في صمت… ولكن الرؤوس بدأت ترتفع، و”رأس” الحرب العالمية الثالثة بدأ يُطلّ بوضوح.

#من_اجل_صناعة_مجد_السودان
تحياتي
د/ أشرف الطاهر حماد
الأمين العام للجهاز الشعبي لنهضة السودان

ليصلك كل جديد انضم لقروب الواتس آب

Leave a Response

ثلاثة × اثنان =