
سلسلة مقالات النصيحة… جِبّة شوك
“حكومة الأمل تنتظر من يشعل فتيلها”
د/ محمود ادريس تيراب
في السودان، لا شيء يمر دون أن يُصبح حكاية… حتى التأخير في التعيينات!
نسمع عن حكومة أُطلق عليها “حكومة الأمل”، وتعلقت بها قلوب كثيرين كغريق يتشبث بخشبة وسط بحر الفوضى، لكن حتى الآن لم تكتمل الملامح، ولم تتضح الرؤية، ولا يزال السؤال العالق على لسان الشعب هو:
أين الوزراء؟ ولماذا تأخر الريّس؟
حين تُبنى الحكومات على الأمل، يُفترض أن تكون أولى ملامحها هي السرعة في الإنجاز، لا البطء في الاختيار.
لكننا للأسف، نُشاهد حتى اللحظة ذات المسرحية القديمة: محاصصات، توازنات، حسابات، وتأخير… بينما الوطن ينزف، والشباب ينتظر، والإدارات فارغة، والشارع يتململ.
فماذا بعد؟ هل نعيد إنتاج الدولة بعقليّة التأخير؟ أم نفتح الباب لكفاءات خرجت من رحم التجربة لا من رحم الصدفة؟
*وزارة الشباب والرياضة… بوابة للثقة أو باب للخذلان*
من بين الوزارات التي يترقبها الناس بلهفة، تبرز وزارة الشباب والرياضة. ليس لأنها الأكثر صخبًا، بل لأنها مؤشر على الاتجاه العام: هل نحن ماضون في مسار التغيير الحقيقي، أم أننا لا نزال نراوغ في الميدان؟
منصب وزير الشباب لا يُمنح مجاملة ولا يُدار بروح المناسبات، بل يتطلب شاباً يملك مشروعًا، لا مجرد وظيفة.
نحتاج من يفهم لغة الشباب، لا من يُتقن الحديث عنهم من بعيد.
نحتاج من زرع بينهم، وخبِر همومهم، واشتغل في الظل قبل أن يظهر في الضوء.
ننتظر الريّس… نعم، لكننا ننتظره لأنه يمثّل المسار لا الشخص.
ننتظره لأنه لم يأتِ عبر بوابة الولاءات، بل من نافذة الفكرة، ومن مرآة النضال العملي، لا الشعارات.
هو ليس طارئًا على قضايا الشباب، بل أحد صنّاع وعيهم، ومهندسي أحلامهم، ومُدوّني آلامهم في دفاتر التخطيط.
لذا، فإن مجيئه لن يكون تزكية لأسمه، بل بداية لحقبة تليق بمسمى “حكومة الأمل”.
*الصبر الشعبي له حدود… والنصيحة جِبّة شوك*
حين يتأخر القرار، يتسلل الشك.
وحين تطول المهلة، تتسلل خيبات التجارب القديمة.
والناس لم يعودوا يحتملون المزيد من “التكتيك السياسي”، لأن ما هو على المحك أكبر من الترضيات… ما على المحك هو وطن بأكمله.
لذلك، فإننا نقولها صريحة، وبكل وضوح:
النصيحة؟ لا تؤخروا الأمل أكثر.
لا تجعلوا من حكومة وُلدت من رحم الانتظار… تجهضها ذات اليد التي وعدت بها الناس حياة.
ولا تجعلوا من الكفاءات رهائن لحسابات لا يعرفها إلا أصحاب الصالونات، فيما الميادين تئنّ وتنتظر.
إن تعيين الوزير المناسب في الوقت المناسب ليس فقط خطوة إدارية… بل هو إعلان نوايا، وصورة مصغرة لوجه الحكومة الحقيقي.
*خاتمة: الأمل لا يُؤجَّل…*
نحن لا ننتظر الريّس كشخص، بل ننتظر المشروع الذي يحمله، والروح التي يمثلها، والمسار الذي يمهّده.
ننتظره ليُخرج وزارة الشباب من رماد الشعارات إلى نور البرامج والخطط،
ليثبت أن هذه الحكومة ليست كسابقاتها… وأن “الأمل” ليس مجرد اسم، بل منهج وفعل ونهج.
فلا تقتلوا الأمل مرة أخرى…
ولا تخذلوا جيلًا علق قلبه بما هو قادم…
فإن لم يكن “الريس” هو البداية، فبمن نبدأ؟
د/محمود ادريس تيراب
باحث في الشأن العام